للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* واتفق أهلُ العلمِ على أن المرادَ برمي المحصناتِ هو الرميُ بصريح الفاحشة، واختلفوا في التَّعْريضِ بها، ووقع ذلكَ بينَ الصحابةِ في زمنِ عُمَرَ -رضيَ اللهُ تعالى عنه -، فاستشارَهُم، فاختلفوا عليه: فرأى عمرُ أنَّ عليهِ الحَدَّ، وبهِ قالَ مالكٌ (١).

ورأى ابنُ مسعودٍ سقوطَ الحَدِّ، وبهِ قالَ عَطاءٌ، والثوريُّ، وابنُ أبي ليلى، وأبو حنيفةَ، والشافعيُّ (٢)؛ لِما فيه من دَرْءِ الحَدِّ بالشُّبْهَةِ، ولأنَّ اللهَ سبحانَه أباحَ التعريضَ بالخِطْبَةِ في العِدَّةِ، فدلَّ على مُخالَفَةِ التَّعْريضِ للتصريحِ في الحُكْمِ.

والقرآنُ وردَ في قذفِ المُحْصَناتِ من النساءِ، والمُحْصَنونَ من الرِّجالِ في مَعْناهم بإجماعِ أَهْلِ العلمِ بالقرآن (٣).

* ثم حكمَ اللهُ سبحانَهُ في القاذِفِ بأنه لا تُقْبَلُ شهادَتُه أبداً، وسَمَّاه فاسِقاً، ولعنَهُ في آيةٍ أخرى (٤)، ثم رفع الله عنه سِمَةَ الفسقِ بالتوبةِ، فقال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: ٥].

* واتفقوا على أن الحَدَّ لا يسقطُ بالتوبة؛ لأنه حَقٌّ متعلِّقٌ بالآدميِّ.


(١) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٧/ ٥١٨ - ٥١٩)، و"أحكام القرآن" للجصاص (٥/ ١١١)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١٢/ ١٧٣).
(٢) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٥/ ١١١)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (٧/ ٤٣)، و"الحاوي الكبير" للماوردي (١٣/ ٢٦١ - ٢٦٢)، وعن الإمام أحمد روايتان، انظر: "المغني" لابن قدامة (٩/ ٨١).
(٣) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٧/ ٥١٤)، و"أحكام القرآن" للجصاص (٣/ ١٢٥)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١٢/ ٢٠٩).
(٤) وهي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: ٢٣].

<<  <  ج: ص:  >  >>