للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداهُما بالأخرى، ولا قائلَ بذلكَ من أهلِ العلمِ بالقرآنِ.

فإن قال: هذهِ الأعيانُ المذكورةُ في سورةِ المائدةِ هي أفراد المَيْتَةِ، فذكر اللهُ -سبحانه- المَيْتَةَ في إحدى المواضِع مُجْمَلَةً، وفي الأخرى مفصلةً، بدليل أن إنهارَ الدمِ علَّةٌ للتحليل، توجدُ بوجوده، وتعدم بعدمه، وخصت هذه الأعيان بالذكر دفعًا لتوهم متوهِّمٍ أنَّ علَّةَ تحريمِ لحمِ الميتةِ فسادُ لحمها وتغيُّرهُ عندَ الموت، وهذه (١) لا تغيُّرَ في لحمِها ولا فساد، والذي أَكَلَهُ السَّبُعُ هُريقَ دمُهُ بالسِّنِّ، وما ذُكِّيَ بالسِّنِّ، فقد ألحقه الشارعُ بالميتةِ في التحريم (٢).

قلتُ: قد حَرَّم اللهُ -سبحانه- الخَمْرَ بعد أن كانَ حلالًا عندَ نُزولِ قولِه تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} [الأنعام: ١٤٥]، وقد اتفق أهلُ العلم بالقرآن والنظر والاستدلال على (٣) أنه لا تَعارُضَ بين هاتين الآيتينِ، وإذا جاز أن يضاف إليها تحريمُ عينٍ غيرِها، ثبتَ أنها ليستْ للحصر والتعيين، وعلمنا أن الله -سبحانَه- ذكر المُحَرَّماتِ بعضَها في كتابهِ نَصًّا، ووَكَلَ بيانَ بعضِها إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فمن قَبِلَ عنه - صلى الله عليه وسلم -، فعنِ الله قَبِلَ؛ لِما فرضَ اللهُ تعالى من طاعته، وقَبولِ ما جاء به - صلى الله عليه وسلم -، وسيأتي الكلام في "سورة المائدة" على ما أهِلَّ به لغيرِ اللهِ إن شاءَ الله تعالى.

* قوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ}.

أي: غير خارج على السلطان، ولا عادٍ، أي: مُتَعَدٍّ عاصٍ بسفره؛ بأن يخرج لقطع الطريقِ، أو لفسادٍ في الأرض.


(١) في "أ ": "وهذا".
(٢) كما قال ذلك ابن العربي دفاعًا عما ذهب إليه من كون المحرمات هي ما ذكر في الآية، وغيرها يرجع إليها. انظر: "أحكام القرآن" له (٢/ ٢٩٣).
(٣) "على" ليست في "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>