للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرابع: ورُويَ (١) عن ابنِ عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما-: أن آية البقرة منسوخة بآية المائدة (٢)، فيجب قتلُ الرجلِ بالمرأةِ، والمرأةِ بالرجل، والحرِّ بالعبدِ، والعبدِ بالحرِّ (٣). وفي هذا نظر؛ فإنه لا شَكَّ في أن نطق الآية غير منسوخ، وإنما الذي ادُّعي نسخه هو المفهومُ (٤)، وفي نسخ المفهومِ خلافٌ بينَ أهلِ العلم بالنظر. فإذا قلنا: يصح، استقامَ القولُ بنسخه إذا قلنا: إن المفهومَ لا يَخُصُّ العُمومَ. والصحيحُ عندَ أهلِ العلم بالنظر والاستدلال أنَّهُ يخص العموم -أيضًا-.

ثم اعترضَ على هذا القولِ بعضُ العلماء، وقال: هذا لا يجوز عند جماعة من العلماء؛ لأن ما فرض الله -تعالى- لنا لا ينسخُه ما حكى الله تعالى لنا من شريعةِ غيرنا، واللهُ -سبحانه- أخبرَنا بما في سورةِ المائدةِ، أنها شرعةٌ لغيرِنا، ولم يفرضْها علينا (٥).

وهذا الاعتراضُ غير مستقيمٍ؛ لأن الله تعالى قدْ بيَّنَ أَنَّ ذلك شُرِعُ لنا


(١) في "ب": "ويروى".
(٢) رواه النحاس في "الناسخ والمنسوخ" (١/ ٤١٩ - الدر المنثور) عن ابن عباس قال: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} قال: نسخته: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}.
وانظر: "المصفى بأكف أهل الرسوخ" (ص: ١٧)، و"ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه" (ص: ٢٥)، و"قلائد المرجان" (ص: ٧٤ - ٧٥).
(٣) انظر: "تفسير الطبري" (٢/ ١٠٥)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١/ ٢/ ٢٣٠)، و"تفسير ابن كثير" (١/ ٣٦٩).
(٤) ادَّعى النسخ جماعة من المفسرين؛ انظر: "زاد المسير" لابن الجوزي (١/ ١٦٤) و"الدر المنثور" للسيوطى (١/ ٤١٩).
(٥) انظر: "سبل السلام" للصنعاني (٣/ ٤٧٧)، و"نيل الأوطار" للشوكاني (٤/ ٥٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>