للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-أيضًا- بطريق الإشارةِ، فقالَ في آخرِ الآية: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: ٤٥] يعني: القصاصَ، وشريعةُ بني إسرائيل لا تصدُّقَ فيها بالدم، ولا عفوَ، بل القصاصُ عليهم متحتِّمٌ (١)، ثبت ذلكَ في "الصحيحِ" عن ابنِ عباس -رضي اللهُ تعَالى عنهما- في تفسيرِ قوله تعالى: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} (٢) [البقرة: ١٧٨]، وعلى الجملةِ، فبعيدٌ أن يصحَّ القولُ بالنسخِ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

الخامس: قالهُ أبو عُبَيْدٍ، قال: آية المائدة مُفَسِّرة لآية البقرة؛ لأن أَنْفُسَ الأحرار متساويةٌ فيما بينهم، يُقْتَلُ الحُرُّ بالحُرِّ والأنثى بالأنثى بآيةِ البقرةِ وآيةِ المائدةِ، ويقتلُ الرجلُ بالمرأةِ والمرأةُ بالرَّجلِ بآيةِ (٣) المائدة (٤).

وفي هذا نَقْضٌ -أيضًا-؛ فإنَّ قتل المرأة بالرجل ثابتٌ بآية البقرة -أيضًا- بطريق الفحوى (٥).

وهذا القولُ لا يستقيم، إلَّا عندَ مَنْ لا يرى مفهومَ الخطابِ حُجَّةً، وأما من يراهُ حُجَّةً كالشافعيِّ -رضيَ اللهُ تعالى عنه- فإنه يجعلُ آية البقرة مفسِّرةً ومبيِّنةً لآيةِ المائدة؛ لعموم آية المائدة، وخصوصِ آية البقرة، ثم يخص آيةَ البقرةِ ويُبَيِّنُها بالسنَّةِ.


(١) انظر: "تفسير الطبري" (٢/ ١١٠)، و"معالم التنزيل" للبغوي (١/ ٢١٠)، و"تفسير ابن كثير" (١/ ٣٧٠).
(٢) رواه البخاري (٤٢٢٨)، كتاب: التفسير، باب: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ ...}.
(٣) "آية" ليست في "ب".
(٤) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١/ ٢/ ٢٣٠)، و"فتح الباري" لابن حجر (١٢/ ٢٠٩).
(٥) يعني: مفهوم الموافقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>