للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* وفيها دليلٌ على أن الحكمَ مُعَلَّقٌ (١) في المواقيتِ بالإدراكِ الحِسِّيِّ، لا الإدراك العقلي؛ فإنَّ وقتَ الفجرِ يدخُلُ قُبيلَ التبيُّنِ قَطْعًا ويقينًا، ولم يعلِّقِ اللهُ -سبحانَهُ- الحُكْمَ به، وإنما علَّقه بالتبيُّنِ؛ لُطْفًا بعباده (٢).

وذهب بعضُ المالكية إلى أنه يجب الإمساكُ قبيلَ الطُلوع (٣)، وهو محجوجٌ بالآية، وبما رويناه في "صحيح البخاري": أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "كلوا واشربوا حتى يُنادِيَ ابنُ أُمِّ مكتوم" (٤)، وقد عُلم أنه لا يُنادي إلا حينَ يطلعُ الفَجْر.


= (٢/ ٥٦٤)، و"المجموع" للنووي (٦/ ٣٢٤)، و"المغني" لابن قدامة (٤/ ٣٢٥)، و"حاشية السنن" لابن القيم (٦/ ٣٤١)، و"فتح الباري" لابن حجر (٤/ ١٣٦)، و"عمدة القاري" للعيني (١٠/ ٢٩٦).
(١) "معلق" ليست في "أ".
(٢) قال ابن رشد في "بداية المجتهد" (٢/ ٦٥٦): وسبب الاختلاف في ذلك الاحتمال الذي في قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} هل على الإمساك بالتبيين نفسه أو بالشيء المتبين؛ لأن العرب تتجوَّز، فتستعمل لاحق الشيء بدل الشيء على وجه الاستعارة؛ فكأنه قال: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود؛ لأنه إذا تبيَّن في نفسه، تبين لنا. فإذًا إضافة التبيين لنا هي التي أوقعت الخلاف؛ لأنه قد يتبين في نفسه ويتميز ولا يتبين لنا. وظاهر اللفظ يوجب تعلق الإمساك بالعلم، والقياس يوجب تعلقه بالطلوع نفسه، انتهى. وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١/ ٢/ ٢٩٦).
(٣) انظر: "بداية المجتهد" لابن رشد (٢/ ٥٦٦). وقد نقل الحافظ في "الفتح" (٤/ ١٧٠) عن ابن بزيزة في "شرح الأحكام" قوله: واختلفوا هل يجب إمساك جزء قبل طلوع الفجر أم لا؛ بناء على الاختلاف المشهور في مقدمة الواجب.
(٤) رواه البخاري (١٨١٩)، كتاب: الصوم، باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال"، عن عائشة، وعنده "يؤذن" بدل "ينادي".

<<  <  ج: ص:  >  >>