للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* إذا تقررَ هذا، فقدِ اختلفَ أهلُ العلمِ في الصلاةِ بالمَشْعَرِ الحرامِ:

- فذهبَ أبو حنيفةَ وغيرُه من الكوفيينَ، وبعضُ الشافعيةِ إلى وجوبِ الصَّلاةِ به، وإن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فعلَهُ نُسكاً، لا لأجل السفر، فيجبُ الجَمْعُ على الآفاقِيِّ والمَكِّيِّ، ولا يجمعُ بينَ الصلاتين إلا بالمُزْدَلِفَةِ (١).

- وذهب الشافعيُّ والأوزاعيُّ وأبو يوسفَ وأحمدُ وفقهاءُ أهلِ الحديثِ إلى استحبابِ الجمعِ بالمزدلفةِ، وأنه لا يجوزُ للمَكِّيِّ، ويجوزُ أن يصلي في غير المزدلفة، ورأوا أنَّ فعلَ النبي -صلى الله عليه وسلم- كانَ لأجلِ السفر (٢).

وقولُ أبي حنيفةَ أَشْبَهُ بالقرآنِ والسُّنَّةِ، وأَوفَقُ للنظرِ.

وذلكَ أنه لم يُنْقَلْ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنه جمعَ بينَ الصلاتينِ في سفره مثلما نُقِل هنا، إنما نُقِلَ عنهُ -صلى الله عليه وسلم- أنه إذا كان نازلاً، فَّقدمَ الثانيةَ إلى الأولى، وإذا كانَ سائراً أخَّرَ الأولى إلى الثانية، وهذا يدخلُه التأويل، وعلى تسليمه، فقد كانَ النبي -صلى الله عليه وسلم- نازلاً بعرفةَ في وقتِ المغرب.

- وقال مالك: لا يجوزُ أن يصلِّيَها قبل المزدلفة إلاّ مَنْ بهِ أو بِدائتِهِ


= بالمزدلفة، والترمذي (٨٩١)، كتاب: الحج، باب: ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج، وابن ماجه (٣٠١٥)، كتاب: الحج، باب: من أتى عرفة قبل الفجر.
والتَّفَثُ في المناسك: ما كان من نحو قصِّ الأظفار والشارب وحلق الرأس والعانة ورمي الجمار ونحر البدن وأشباه ذلك. انظر: "القاموس" (مادة: تفث) (ص:١٥٢).
(١) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (١٣/ ١٦)، و"المغني" لابن قدامة (٥/ ٢٨٢)، و"المجموع" للنووي (٨/ ١٦٢)، و"رد المحتار" لابن عابدين (٣/ ٣٦٥).
(٢) وهو قول أكثر المالكية. انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (١٣/ ١٦٠)، و"المغني" لابن قدامة (٥/ ٢٨١)، و"المجموع" للنووي (٨/ ١٦٢)، و"الذخيرة" للقرافي (٣/ ٢٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>