وإن سلموا، فهذا القياسُ ضعيفٌ؛ لاعتبار ما بُني على التغليظ في حقِّ العبيدِ، وهو تقليل عَدَدِ الطلاق بما بُني على التخفيفِ في حقِّهَم وحقِّ غيرهم من الأحرار.
وكان الأولى أن يقال: هذا الزوجُ رقيقٌ، ولم يضيقِ الشرعُ عليه في عَدَدِ الحَدِّ، فلِمَ يُضَيَّقُ عليه في عدد الطلاق.
نعم، قد يقال: في الرجعة ملكٌ وسلطانٌ على الزوجة، والعبيدُ لا سلطانَ لهم ولا ملك، فمن لُطْفِ الشارع بهم أنْ جعلَ لهم سلطانًا أضعفَ من سلطانِ الأحرار وأَنْقَصَ، فجاز لنا حينئذ أن نعتبر النقصانَ بالنقصان، فالاعتبارُ في مقدارِه لا في أصله، ولولا هذا لما اخترتُ مذهبَ الجمهورِ، والله أعلم.
* فإن قلتم: فقولُ الله سبحانه: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ}[البقرة: ٢٢٩] فيه إيماءٌ إلى أن الثلاثَ إنما يقعْنَ في ثلاثِ كلماتٍ بثلاثِ مرات، فإن لفظ المرتين يقتضي التكرار، ولأن قوله تعالى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}[البقرة: ٢٢٩] يقتضي التكرار أيضاً؛ لما فيه من معنى الترتيب، فما الحكم فيما إذا قال: أنتِ طالق ثلاثًا بكلمةِ واحدة، هل تقع عليها الثلاث، أو لا يقعُ عليها إلا واحدةٌ؟
قلت: اختلف أهلُ العلمِ في ذلك.
- فأخذ بهذا الظاهرِ أهلُ الظاهر، وقومٌ من أهل العلم لم يوقعوا إلا طلقةً واحدةً (١).
(١) وقال به طاوس ومحمد بن إسحاق والحجاج بن أرطأة. وحكي عن علي وابن مسعود وابن الزبير وعبد الرحمن بن عوف وابن عباس. انظر: "الاستذكار" لابن =