للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى ابنُ عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَرِثُ القاتِلُ شيئًا" (١).

* ثمَّ بيَّن الله سبحانه أن التوريثَ المذكور إنما يكون من بعدِ وصيةٍ يوصي بها، أو دينٍ.

فيحتمل أن يريد منهم أنهمِ لا يرثون شيئًا من التركة إلا بعدَ أداءِ الدَّين، وهو ظاهرُ الخطاب، وبه أخذ أبو سعيدٍ الإصطخريُّ من الشافعيةِ، فروي عنه منعُ الإرثِ بالدَّيْنِ مطلقًا، وروي عنه التفريقُ بين المستغرِق وغيرِه، فإن لم يكن مستغرِقًا، منع الإرث في القَدر (٢) الذي يقابله (٣).

ويحتملُ أن يريدَ أنه ليسَ لهم قسمةُ التركةِ والأخذُ منها إلا بعد أداءِ الوصيةِ والدَّيْنِ، وأما الملكُ فينتقلُ إليهم، ويكونُ من بابِ التعبيرِ عن المسبَّبِ بالسببِ؛ لأن القسمةَ مسببةٌ، وسببُها الإرثُ، والدليلُ على ذلك الإجماعُ فيما إذا خلفَ اثنين، فماتَ أحدُهما قبلَ قضاءِ الدين، وخلفَ ابناً، ثم أبرأ (٤) من له الدينُ، فإن التركةَ تنقسمُ بين الابنِ وابنِ الابنِ، فلو لم يملكِ الابنُ الهالكُ، لما ورثَ ابنُه.

والدليل أيضًا أن من أسلمَ، أو أعتقَ بعد الموتِ وقبلَ قضاءِ الدين،


= نحوه على خلاف بينهم في ذلك، والصحيح عن هؤلاء كقول الجمهور. انظر: "شرح مسلم" للنووي (١١/ ٥٢)، وانظر: "الإشراف" لابن المنذر (٤/ ٣٥٤ - ٣٥٥).
(١) رواه البيهقي في "السنن الكبرى" (٦/ ٢٢٠)، ونسبه ابن حجر في "الدراية" (٢/ ٢٩٨) إلى الدارقطني في "سننه" -ولم أجده فيه- من حديث ابن عباس، وقد رواه الدارمي في "سننه" (٣٠٨٠، ٣٠٨٦)، عن ابن عباس موقوفًا عليه من قوله.
(٢) في "أ": "للقدر".
(٣) انظر: "المهذب" للشيرازي (٢/ ٢٣)، و"الحاوي" للماوردي (١٨/ ٦٧).
(٤) في "أ": "ثم أبرأ له".

<<  <  ج: ص:  >  >>