للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يرثُ إجماعًا، ولو لم يورَّث قبل ذلك، لورثه هؤلاء.

والدليلُ أيضًا كونُ الوصيةِ الشائعةِ لا تمنعُ الإرثَ اتفاقًا، وإنما تمنعُ قسمةَ التركةِ، وهي قرينةُ الدَّيْنِ في الحكم الذي فرق بينهما لشأنه، فلا يجوز أن يختلفا في الحكم اتفاقًا، فيفوتُ بيانُ الحكم الذي قرن بينهما لأجله، ولأنه يؤدي إلى حملِ اللفظِ الواحدِ على معنيين مختلفين، وذلك غيرُ جائزٍ عندَ أكثر الأصوليين، ولا شكَّ في أن غيرَ المشترَكِ خيرٌ منه.

فإن قلت: الصحيحُ عند أهل العلم بالأصول أن المقارِنَ ليسَ له حكمُ قرينه، فكيف ادَّعيتَ الاتفاقَ (١) هنا؟

قلت: إن ذلك فيما إذا قَرَنَ بين أمرين في الذِّكر، وخَصَّ أحدَهما بالحكم دونَ الآخر، وأما إذا قَرَنَ بينهما، وقَصد بالحكم قصدًا إجمالياً، ثم بيَّن في أحدهما، فإن للآخر حُكْمَ قرينه، وهذا تحقيق حسنٌ لم يتنبَّهْ أحد عليه (٢)، والحمدُ للهِ على نعمِه ومِنَنه.

وبعدم المنع للإرث قال سائرُ الشافعية (٣).

وقال أبو حنيفة: إن كان الدَّيْنُ يستغرقُ التركةَ، منعَ الإرثَ، وإلا فلا يمنعُ من الإرث شيئاً (٤).

فإن قلتم: الوصيةُ والدَّيْنُ مطلقان، وذلك يقتضي تقديمَ أيِّ وصيةٍ كانت، وأيِّ دينٍ كان لله سبحانه، أو للآدميين.

قلنا: أما الوصيةُ فهي مقيدَةٌ في قوله تعالى: {غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: ١٢]،


(١) في "ب": "اتفاقًا".
(٢) في "ب": "له أحد علمته" بدل "أحد عليه".
(٣) انظر: "المهذب" للشيرازي (٢/ ٢٣)، و"مغني المحتاج" للشربيني (٣/ ٣).
(٤) انظر: "بدائع الصنائع" للكاساني (٧/ ٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>