للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاؤوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فذكروا (١) أن امرأةً منهم ورجلا زَنَيا، فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما تجدونَ في التَّوراةِ في شأنِ الرَّجْمِ؟ "، فقالوا: نفضحهم، ويجلدون، قال عبدُ الله بنُ سَلامٍ: كذبتم، فيها آية الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضعَ أحدُهم يدَه على آية الرجم، فقرأ ما قبلها، وما بعدَها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفعْ يدكَ، فرفعِ يدَهُ، فإذا فيها آيةُ الرجمِ، فقال: صدقتَ يا محمَّد، فأمر بهما النبي -صلى الله عليه وسلم-، فرُجِما (٢).

واعتذر الحنفيةُ: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- رجمهما بحكمِ التوراةِ، وأن ذلكَ عندَ قدومِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ (٣)، وادَّعَوا أن آيةَ الرجمِ نزلتْ بعد ذلك، فكانَ (٤) الحديثُ منسوخاً (٥).

وهذا خطأ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما تَجِدُونَ في التوراةِ في شَأنِ الرَّجْمِ؟ "، فدلَّ على أن ذلكَ بعدَ نزولِ الرجمِ وتقرُّرهِ عندَ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، والنسخُ يحتاج إلى تاريخٍ، وبعيدٌ أن يجدوه منقولاً. ولو اعتذروا بكونِ ذلك عقوبة كليَّة جاءت خصيصًا لنبيه - صلى الله عليه وسلم - مؤاخذةً لهم من عند الله سبحانه بنقيضِ قصدِهم؛ حيث قصدوا الرخْصَةَ معَ وجُودِ حكمِ اللهِ عندَهم الذي استُحفظوه، وكانوا


(١) في "ب" زيادة "له".
(٢) رواه البخاري (٦٤٥٠)، كتاب: المحاربين، باب: أحكام أهل الذمة وإحصانهم، إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام، ومسلم (١٦٩٩)، كتاب: الحدود، باب: رجم اليهود أهل الذمة في الزنا.
(٣) انظر: "المبسوط" للسرخسي (٩/ ٤١)، و"شرح عمدة الأحكام"، لابن دقيق (٤/ ١٢١)، و"فتح الباري" لابن حجر (١٢/ ١٧٠).
(٤) في "ب": "وكان".
(٥) قال ابن دقيق العيد: وهذا يحتاج إلى تحقيق التاريخ؛ أعني: ادعاء النسخ. انظر: "شرح عمدة الأحكام" (٤/ ١٢١) وعنه نقل المؤلف -رحمه الله- اعتذار الحنفية.

<<  <  ج: ص:  >  >>