للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه شهداءَ، فأوجبَ ذلكَ عليهم عقوبة وانتِقاماً لإعراضهم عن قبولِ حكمٍ يعتقدونه إلى حكم يَجْحدونه ويكفرون به = كان أقربَ من دعوى النسخ.

ولا شكَّ أن قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: ١٥] لفظٌ ظاهرهُ العُموم، فيجوز أن يكونَ أُريد به التخصيصُ، إما بالأبكارِ من النساءِ، أو بالثَّيّبات منهن، ويجوزُ أن يكونَ على عمومهِ فيعمَّ البكْرَ والثَّيِّبَ، هذا هو المُتَعَينُ عندي؛ لإطلاق اللفظِ على حقيقةِ عمومهِ، وليَس هنا دليلٌ على التخصيص بالأبكار أو بالثيّبات.

فإن قلتم: فهل نجد بياناً يعضد قولك؟

قلت: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خُذوا عني، خُذوا عني، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُن سَبيلًا، البِكْرُ بالبِكْرِ جَلْدُ مِئةٍ وتَغْريبُ عامٍ، والثَّيِّبُ بالثيِّبِ جَلْدُ مِئَةٍ والرَّجْمُ" (١)، فذكر البكرَ والثيّبَ بعدَ أن ذكر الضميرَ العائدَ عليهنَّ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "قد جعلَ اللهُ لهنَّ سبيلًا"، وضم إلى بيانهن بيانَ حكمِ المذكور الذي في الآية الثانية، فدَّل على أنه على عمومه.

إذا تقرَّرَ هذا، فقد قال بعض المفسرين، وبعض مؤلفي الناسخ والمنسوخ: إن هذه الآيةَ في البِكْرين (٢) تردُّ التي بعدَها في المُحصَنين (٣)، وقال أكثرُهم: هذه في المحُصَنيَن (٤)، والتي بعدَها في البِكرين (٥) (٦).

ولقد أخطؤوا خطأ فاحشًا من جهة اللغة؛ حيث أطلقوا اللفظَ المختصَّ


(١) تقدم تخريجه.
(٢) في "أ": "البكر".
(٣) في "ب": "المحصنتين".
(٤) في "ب": "المحصنتين".
(٥) في "أ": "البكر".
(٦) انظر: "الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" لمكي (ص: ٢١٤ - ٢١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>