للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بيَّنَ اللهُ سبحانه السبيلَ بالحُدود، وضعفه بعضهُم بأن الوقتَ غيرُ معلومٍ ولا محدودٍ [وإنما كان يمتنعُ من النسخِ لو قال: (حتى يتوفاهنَّ الموتُ)، أي: يبلغن إلى وقتِ كذا] (١).

وهذا التضعيفُ ضعيفٌ، بل الصوابُ أنها ليستْ بمنسوخةٍ؛ لأن النسخَ لا يكون إلا بعد استقرارِ حكمٍ متقدّمٍ، وهذه الآية لم يبين الله فيها حُكْمًا، وإنما وعدَ عباده ببيانِ الحكم في الوقت الذي يريدُه، وأمرهم بإمساك الزواني؛ حفظًا لهم من الزنا؛ وانتظاراً لوعده وقضائه، ثم منَّ اللهُ على عبادِه ببيانه وشرعِه في الوقتِ الذي أراده، فهذا بيانٌ لا نسخٌ، ونظيرُه إذا قَالَ السيدُ من العربِ لعبدِه: سالمُ احبسْ عبدَكَ غانِمًا الذي أساء (٢) حتى يموتَ، أو يأتيكَ قضائي فيه، فلا يقال: إن السيدَ حكمَ في غانمٍ بحكمٍ، وإنما حبسَهُ لأجلِ القضاء.

وبهذا يتبيَّنُ (٣) لكَ أن آيةَ السيفِ (٤) نسخَتْ كلَّ عفوٍ وصَفحٍ عن المشركين، وإن كان قد علَّق قضاءه بوقتٍ غير معلوم؛ كقوله تعالى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة: ١٠٩]، وقوله تعالى: {فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ} [الأعراف: ٨٧]؛ لأن العفو والصفح والصبر حكمٌ مستقرٌّ، وهو الكفُّ عن قتالِهم، والاستسلامُ معهم.


(١) ما بين معكوفتين ليس في "أ".
(٢) "الذي أساء": زيادة من "ب".
(٣) في "أ": "تبين".
(٤) في قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: ٣٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>