أقول، صدق المعترض، فإن المعين هو الذي تراه العين، كما قال البيضاوي، وهو الماء الجاري، ولكن أكثر الماء الجاري، وهو البحر يكون صافيا على الدوام ولا يتكدر، فإن قيل إن البحر غير جار، نقول، بلى بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء الذي كان يقوله إذا رأى قرية، اللهم رب السموات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب البحار، وما جرين، ورب الرياح وما ذرين .... الحديث، وإذا علمت أن ثلاثة أرباع الأرض يغطيها البحر، وأن الأنهار في أغلب الأوقات صافية، وكذلك العيون الجارية، ولا تكدر إلا عند نزول الأمطار وسيلان الأودية تعلم أن الجريان يلازم الصفاء، والتعبير باللازم وإرادة الملزوم شائع في كلام البلغاء والقرينة لا تبقي شكا في أني أريد الصافي، وكذلك قول الشاعر:
إن حمامنا الذي نحن فيه ... أي ماء به! وأية نار!
قد نزلنا به على ابن معين ... وروينا به صحيح البخار
قوله (على ابن معين) فيه تورية، فالمقصود هو الماء المعين الصافي في الحمام، والمعنى الذي وري به هو الإشارة إلى الإمام الحافظ أحد أئمة الجرح والتعديل يحيى بن معين، وفي قوله صحيح البخار تورية، فإن المقصود بخار الحمام، والتورية بصحيح الإمام الحافظ أمير المؤمنين في الحديث أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري، ومن المعلوم أن ماء الحمام غير جار ولكنه عبر باللازم وأراد الملزوم، والمناقشة في مثل هذه الصغائر من الشطط، والتماس العيوب للبراء.
٥ - قال المعترض: وقال (وستأتي في هذه المقالات إن شاء الله أمثلة عديدة توضح ذلك) أراد بعديدة (كثيرة) مع أن