فضبطوا مخارج حروفها وصفاتها، وتجويد النطق بها، وحققوا معاني كلماتها، وتركيب جملها، وجودة أسلوبها وبلاغتها، وتركوها لنا في غاية الكمال والجمال، فلم نكن خير خلف لخير سلف.
ومن المعلوم أن القرآن هو أول كتاب ينطق بلغة العرب الخالصة، ولا يستطيع أحد معرفة اللغة العربية، وفصاحتها وبلاغتها، وأسرارها إلا بدراسة القرآن، واتخاذه إمامًا ومنارًا يهتدى به في علومها، هذا بالنسبة إلى غير المسلمين الذين لا يهمهم من القرآن إلا ما فيه من فصاحة وبلاغة وأنه حجة في اللغة العربية، فكيف بالمسلمين الذين يجب عليهم - إن كانوا مسلمين حقًا - أن يتخذوا القرآن إماما وسراجًا منيرًا، يتبعونه ويهتدون به في دينهم، يحلون حلاله، ويحرمون حرامه، ويتخذونه حكمًا، فيه شريعتهم، ومنهاج أخلاقهم، وهدايتهم، وشفاء صدورهم، وروح أرواحهم كما قال تعالى في سورة الكهف (١ - ٣){الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا، مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا}.
قال ابن كثير: قد تقدم في أول التفسير أنه تعالى يحمد نفسه المقدسة عند فواتح الأمور وخواتمها، فإنه المحمود على كل حال، وله الحمد في الأولى والآخرة، ولهذا حمد نفسه على إنزاله كتابه العزيز على رسوله الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه، فإنه أعظم نعمة أنعمها على أهل الأرض، إذ أخرجهم به من الظلمات إلى النور، حيث جعله كتابا مستقيما لا اعوجاج فيه، ولا زيغ، بل يهدي إلى صراط مستقيم، واضحًا بينًا جليًا، نذيرًا للكافرين، بشيرًا للمؤمنين.