للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا الإِيمان الاختياري، وقال تعالى: ﴿وَ [١] لَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ وقال: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾، فَنَفَذ قَدَرُه، ومضت [٢] حكمته؛ وقامت حجته البالغة على خلقه بإرسال الرسل إليهم، وإنزالِ الكتب عليهم.

ثم قال: ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾، أي: كلما جاءهم كتاب من السماء أعرض عنه أكثر الناس؛ كما قال: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ وقال: ﴿يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾، وقال: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾؛ ولهذا قال تعالى هاهنا: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾، أي: فقد كذبوا بما جاءهم من الحق، فسيعلمون نبأ هذا التكذيب بعد حين ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾.

ثم نبه تعالى على عظمته في سلطانه وجلالة قدره وشأنه، الذين اجترءوا على مخالفة رسوله وتكذيب كتابه، وهو القاهر العظيم القادر، الذي خلق الأرض وأنبت فيها من كل زوج كريم، [من] [٣] زروع وثمار وحيوان.

قال سفيان الثوري، عن رجل، عن الشعبي: الناس من نبات الأرض، فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم.

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾، أي: دلالة على قدرة الخالق [٤] للأشياء، الذي بسط الأرض ورفع بناء السماء، ومع هذا ما آمن أكثر الناس، بل كذبوا به وبرسله وكتبه، وخالفوا أمره وارتكبوا زواجره.

وقوله: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾، أي: الذي عزّ كلَّ شيء وقهره وغلبه، ﴿الرَّحِيمُ﴾، أي: بخلقه، فلا يعجل على من عصاه بل ينظره ويؤجله ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر.

قال أبو العالية، وقتادة، والربيع بن أنس، وابن [٥] إسحاق: العزيز في نقمته وانتصاره ممن خالف أمره وعبد غيره. وقال سعيد بن جبير: الرحيم بمن تاب إليه وأناب.

﴿وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ (١١)


[١]- سقط من: ز، خ.
[٢]- في خ، ز: "وقضت".
[٣]- ما بين المعكوفين في ت: "ومن".
[٤]- في ز، خ: "الخالد".
[٥]- سقط من: ز، خ.