للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

احكم بين الناس بالحق، هذا إثبات كمال، ولا تتبع الهوى نفي ضده، وإنما يؤتى بنفي الضد من أجل أن يتبين أن المطلوب ينبغي أن يكون مجرداً عن كل ما ينافيه.

١٠ - ومن فوائد الآية الكريمة: أن اتباع الهوى سبب للإضلال عن سبيل الله لقوله: {فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ولكن هل الإضلال في نفس المخالفة؟ أم أن المخالفة نفسها ضلال، وتكون سبباً لإضلال آخر؟ الجواب هو الثاني، فإن الهوى يجلب للإنسان الضلال كما أنه هو نفسه ضلال، فإذا اتبعت الهوى في قضية ما، فانتظر اتباع الهوى في القضية التي تليها، لأن المعصية قبل أن يقع فيها الإنسان يجد نفسه تستوحش منها وتنفر، فإذا فعلها مرة هانت عليه، وانكسر الحجاب، فإذا هانت عليه أول مرة هانت عليه الثانية ثم الثالثة، حتى تصبح وكأنها لا شيء، ولهذا يضرب العامة مثلاً له فائدة، يقولون: بكثرة الإمساس يقل الإحساس، يعني إذا أكثر الإنسان مماسة الشيء قلّ إحساسه به.

والحاصل أن اتباع الهوى ضلال بنفسه، وسبب للضلال، ووجه ذلك أن المعصية تنفر منها النفس، فإذا فعلتها مرة هانت عليها، ثم الثانية تكون أهون، ثم الثالثة أهون، والرابعة أهون، حتى تصبح المعصية وكأنها ليست بمعصية، ولهذا قال: {فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}. فتجد القاضي مثلاً لا يمكن أن يحكم بالحيف والجور، وتجده نافراً من ذلك، فإذا حكم مرة هان عليه، ثم الثانية هان عليه، ثم الثالثة والرابعة وهكذا، لذلك قال: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}.

<<  <   >  >>