للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجمع السحرة، وألقوا ما عندهم من السحر العظيم الذي أرْهب الناس، حتى موسى عليه السلام رهب وخاف، فقال الله تعالى: {قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (٦٨) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا} [طه: ٦٩ - ٦٨] فأيّده الله، وألقى ما في يمينه وهي العصا، فصارت حية عظيمة التهمت الحبال والعصي التي ملؤوا بها الأرض، وصار يُخيل للناس أنها حيات وثعابين تسعى، فالتهمتها كلها، وسبحان الله كيف هذه الحية التي كانت عصا تلتهم كل هذا؟ ! هذا من آيات الله.

فلما رأى السحرة هذا الأمر دهشوا، وعلموا أن هذا ليس بساحر, لأن الساحر لا يمكن أن يأتي بمثل هذا الأمر، بل هو حقيقة، وهو آية أيَّدَ الله بها موسى، فآمنوا كلهم، وسجدوا لله ذُلًّا وعبادة، وقالوا معلنين: {آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الأعراف: ١٢١ - ١٢٢] فماذا يكون تأثير هؤلاء القوم الذين انتصر بهم فرعون بين الناس؟ سيكون تأثيرهم بين الناس كبيرًا وعظيمًا. أرأيتم لو أنّ أحدًا من الملوك جمع أكبر ما عنده من المهندسين في حشد عظيم، ثم أقرّوا وأذعنوا لخصوم هذا الملك، ماذا يكون شعور الناس؟ سيكون شعورهم أن الملك مهزوم.

ولهذا لما حصل إيمان السحرة لجأ فرعون إلى القوة والقهر، وهددهم بأنه سيقطِّع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ويصلبهم على جذوع النخل حتى يذوقوا العذاب، ولكنهم بإيمانهم قالوا: {لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٧٢) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ

<<  <   >  >>