للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إليها فيسقيها ويأخذ من لبنها بقدر ما أسقاها، والله أعلم. والمهم أن هؤلاء القوم عندهم قوة مكَّنتهم من أن يتخذوا من الجبال بيوتًا. ولا تزال آثارهم باقية إلى اليوم. وقد مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بها وهو ذاهب إلى تبوك، فقنَّع رأسه - صلى الله عليه وسلم - يعني غطاه- وأسرع في السير، وقال: "لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا وأنتم باكون، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، أن يصيبكم ما أصابهم" (١).

قال: {وَقَوْمُ لُوطٍ} لوط: ابن أخي إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أرسله الله إلى قومه، وكانوا قد ارتكبوا الفاحشة -والعياذ بالله- فكانوا يأتون الرجال ويَدَعُون النساء. فوبَّخهم لوطٌ على ذلك وقال: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء: ١٦٥ - ١٦٦] فأنتم الآن تركتم الحلال إلى الحرام، وتركتم النزيه إلى الخسيس. ولكنهم أبوا واستكبروا حتى إن زوجته كانت منهم، فأمره الله أن يسري بأهله، وأرسل على قومه حجارة من سجيل، حتى جعل عاليها سافلها، وهذا من المناسبة بوضوح، فإن هؤلاء لما انقلبوا عن الحقيقة، ونزلوا إلى أسفل الأخلاق، جعل الله أعالي قريتهم سافلها. واختلف العلماء في معنى هذا، فقال بعضهم: إن الأرض حمُلت ثم نكِّست فصار عاليها سافلها، وقال بعضهم: بل إنها تهدمت من الحجارة التي أُرسلت عليهم حتى صار أعاليها سافلها (٢).


(١) أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب نزول النبي - صلى الله عليه وسلم - الحِجر (٤٤١٩)، ومسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم (٢٩٨٠).
(٢) انظر تفسير سورة الصافات لفضيلة الشيخ رحمه الله.

<<  <   >  >>