ولم نَرَ فيه نقْصاً سِوى أنه قليل، وناهِيكَ بطِيب عُنصُر لو رآه النَّظَّام أثْبتَ به الجوْهَر الفَرْد، مع لُطفِ طبعٍ هو شقِيق الروضِ المُخْجِلِ بلُطْفِه خَدَّ الورْد، وحُسنِ تقْريرٍ وتحْريرٍ يهتز طرباً له كلُّ غصنٍ نَضِير.
وبالجملة فهو في كلِّ كمالٍ مُفْرَد، مُستَغْنٍ عن التَّعريف بفضْلٍ له لا يُحَدّ، فإنه أصِيلُ عصْرِه، وعِمادُ دهرِه، كأنما عَناهُ مَن قال:
أرأيتُمْ في النَّاسِ ذاتَ لطيفٍ ... يشرَحُ الصدرَ مثلَ ذاتِ العِمادِ
حَسبُها من لطافةٍ أنها لم ... يخلُقِ الله مثْلَها في البلادِ
وقد دارتْ بيني وبينَه كئوس محاوراتٍ لها ثَغْر الحَبَاب باسِم، تُنْظَم منها في جِيد الآداب عُقودٌ لها بَنانُ البيان ناظِم، ولما قُوِّضَتْ خِيامُ المُقام، وَزُمَّتْ مطايا العزائم، كتبتُ له مُودِّعاً وشاكراً لما أفاضه عليَّ من سوابِغ المكارم قولي:
قسَماً بلُطفٍ مالكٍ لفُؤادِي ... وبرَوضِ أُنْسٍ مُثْمرٍ لِودادِي
وبطَلعةٍ نزلَتْ لدى حرَمِ العُلا ... وبسُدَّةٍ هي قِبْلةُ القُصَّادِ
أنِّى ارْتحَلْتُ وذكُركم أبداً على ... طُولِ المَدى ماءِي النَّمِيرُ وزادِي
يا واحدَ الدُّنيا وبيتَ قصيدِها الزَّ ... اهِي لدَى الإنْشاءِ والإنشادِ
يا ابنَ العِمادِ لأنت عُمْدةُ سادَةٍ ... تُمتْاحُ في الإصْدارِ والإيرادِ
إرَماً غدَتْ أرْضُ الشَّآم لأنها ... ذاتُ العِمادِ بكُمْ وأيّ عِمادِ
بل جَنَّةً فيها الثَّناءُ مُخَلَّدٌ ... أتَرى لها بعد البِعادِ بعادِ
وحديثُ فضلِكمُ المُعَنْعَنُ مَجْدُه ... أضْحى بأصْلِكَ عالِيَ الإسْنادِ
يُثْنى عليه رائحٌ أو غادِي ... أبداً برغْمِ عشِيرةٍ أوْغادِ