أديبٌ نظَم ونَثَر، فأصبح ذكرُه جمالَ الكُتُب والسِّيَر، أكثرَ من الرِّحلة والنُّقْلة، على تَيَقُّظٍ لا تطمع فيه الغَفْلة، ففاضتْ عليه سحائبُ من الثَّناء سَكُوب، مُزْجيها رياحُ الشُّكر مما يسْحَبُه الصِّبا والْجَنُوب، إلا أنه في أواخره داسَتْ ساحتَه النُّوَب، فأحاط به الفقرُ لمَّا أدركَتْه حُرفُة الأدب، فأصبح بعد النَّعيم المقيم بُؤْسُه أبا العَجَب.
لو كان يدْرِي المرءُ ابْنَه ... يُحْرَم بالآدابِ ما أدَّبَهْ
وقد صحبني فرأيتهُ بشِعْره مُعْجَباً طَرُوب، إذا سَنَح له معنًى فكأنه قميصُ يوسفَ في أجْفان يعقوب، فمدَحنِي بعدَّة قصائد، وأهدي إليَّ منها ما هو على آدابِه شاهد، وطلب منِّي يوماً تقريظَ شِعْرِه، فقلتُ بدِيهةٌ:
لَشِعْرُ ذا الحَبْرِ بَحْرٌ في تَموُّجِهِ ... يُهْدِي لأسْماعِنا رَوْحاً وريْحاناً
ذُو منطِقٍ ساحرٍ مُطْرٍ فيَا عَجَباً ... للسِّحرِ يُنْشِئه وهو ابن عِمْرنَا