قال أبو عليّ الفارسيّ: لستُ أعجب من توارُدِه، وإنما أعجب من قولهِ لم أُسْبَق إليه وقد قال أبو الطَّيِّب في الُحمَّى:
إذا ما فاَرَقْتنيِ غسَّلتْنيِ ... كأنَّا عاكِفان على حَرامِ
وقد سلم من شَناعة ذكر الزِّنا، وما في قُبْح لفظِه من الْخَنَا، فمعناه أَصحّ؛ لأنه ذكر في هذا الشعر مِن نفسه وزائرته ذكراً وأنثى، جرى بينهما ما يقتضي الغسلَ.
وإن قيل: إن قوله) عاكفان على حرام (مِن لَغْو الكلام، وهما ذكراً، زِناً بين اثنين، ولو قال زني ناظري، أو لحظي، كان أحسن.
قلتُ: هذا كله كلام ناءِ عن حُسْن الأدب، وهو سُخْف، ولكن أيُّ الرِّجال المُهذَّب، ومع ذلك فقد وقع هذا في كلام من تقدَّمهم، ومعناه أصح ودِيباجتُه ألطف وأوضح، كقول يزيد بن معاوية:
وكيف تَرَى بعينٍ ترى بها ... سِواهَا وما طهَّرْتَهَا بالمدامِعِ
أجِلُّكِ يا ليلى عن العينِ إنَّما ... أراكِ بقلْبٍ خاشعٍ لك خاضعِ
ثم مشى على أثرهم الناسُ، وولَّدوا معانيَ لا تُحصَر، كقول السِّراج الورَّاق:
يا نازحَ الدَّارِ مُرْ نومي يُعاوِدْنِي ... فقد بكْيتُ لفَقْدِ الظَّاعنينَ دَمَا
أوْجَبْتَ غُسْلاً على عيني بأدْمُعِها ... فكيف وهْيَ التي لم تبلُغِ الُحُلمَا