هَدِيَّةُ رَجَّافِ العَشِىَّ كأنه ... كتائبُ تقْفُو إثْرَهُنَّ كتائبُ
وكلَّ صَدوقِ البَرْقِ دانٍ رَبابُة ... تنُوءُ فُوَيقَ الأرض منه الهَيادِبُ
تُزجَّيه أنْفاسُ الشَّمالِ وتمْترِي ... ضُروعَ عَزَالِية الصَّبا والجَنْائبُ
يُرَوَّي بها في سَيْبِه باطِنَ الثَّرَى ... وتُمْحَى لسُقْياها المُحُولُ اللَّوازِبُ
كأنَّ هدِيرَ الرعدِ في جَنَبَاتِه ... هديرُ قُرومٍ هيَّجَتْها الضَّوارِبُ
كأنَّ دموعَ المُزْنِ وهْيَ سواكِبٌ ... دموعُ مُحِبٍ فارقَتْه الحبائِبُ
فذَاك الحيَا لا زال في أرْبُع الحِمَى ... مَريئاً بِهِ منها الزُّلالُ الخَضارِبُ
فتُصِبح منه الأرضُ مُخْضَرّة الرُّبى ... مُجلَّلةً بالرَّيطِ منها الأهاضِبُ
ويُصبحُ منثُوراً بها رَيَّقُ الحَياَ ... كما نَثرتْ من جِيدها السَّمْطَ كاعِبُ
خمائلُ فيها للظَّباءِ مسارِحٌ ... وفيها لأذيالِ الرياحِ مساَحِبُ
وفيها لأطْرافِ الغصونِ ونَوْرِها ... عيونٌ علَتْ من فوقِهنَّ حواجِبُ
كأن ثُغورَ النَّوْرِ وهْيَ بواسِمٌ ... بأرْجائِهاَ القُصْوى نجومٌ ثوَاقِبُ
تَهادَى ظِباءُ الوحْشِ في عَرَصاتِها ... كما تَتَهادَى في القصورِ المرَازِبُ
كأن الرُّسوم الدَّارساتِ تَصَبُّرِي ... عَشيَّةَ حُفَّتْ بالقَطِين الرَّكائِبُ
فوا أسفاً لا القلْبُ من سَكْرةِ الهَوى ... يُفِيقُ ولا من غَيْبةِ الشَّوقِ آيِبُ
فمن لي بحِفْظِ العهدِ من ذِى صَبابةٍ ... أضاعَتْ هواهُ المُذْنباتُ العواتِبُ