للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أسبابُه، حتى قامَت به الأدِلَّة، وسلِمَتْ بلا فاصلةٍ كلَّ عِلَّة، وجرَتْ في بحارِه مياهُ الفضائل، حتى كاد أن يكذب القائل:

مثلُ العروضِ له بحرٌ بلا ماء

فكم وَشَّى رِداءَ الآدابِ ووَشَّع، وردَّ شمْسَها من المغرِب كما رُدت ليُوشَع، ولكل عصرٍ يُوشَعُ يَردُّ شمسَ الفضْل بعد الأُفول، وتشرِق شمسُ العصْرِ على القصْرِ والطُّلول.

يُقْرِى وفودَ الطَّلب بيانا، ويُقِرُّ عيونَ الأمل حُسناً وإحْسانا.

وله في المعالي أرُومة، وفي مغارِس الفضْل جُرْثُومة.

غُذَّىَ بلبِانِ وليدا وعُدّ لَبيد إذا قِيس بفصاحتِه بَليدا.

رَاق في جِيد دهْرِه قِلادَةُ الأوْصاف، وتَحلَّت بَعذْبِ مدائحِه أفواهُ الرُّواة من سائرِ الأطراف، حتى تَهادَتْه الدَّوَل، لَذِيذِ الكَرَى للمُقَل.

فهو أنْدَى على الأكْباد من قَطْر النَّدى، وألَذُّ في أفواهِ الأجْفانِ من كُحْلِ الكرَى.

فالكونُ إمَّا ناطِقٌ فمُعظَّمٌ ... حُرُماتِهِ أو ناطقٌ فَمُسَّبحُ

ثم إن الدهرَ اقتطف ثمرةَ فؤادِه، وقطَع فِلْذَة كبدِه ببعض أولادِه، فهادر إلى طَيْبَةَ وقال بها في ظِلال النَّعيم، إلى أن دعاهُ لجِوارِه المولى الكريم.

وكنتُ كتْبتُ إليه أسّلية، وأصبَّره في بَنيِه وأعزَيه:

كُنِ المُعزَّ لا المُعزَّى بهِ ... إنكان لا بُدّ من الواحدِ

لعل اللهَ يُخلِف ما أخذ من بَنِيك ومالِك، ويجعلُ الباقَي منهم كما قيل في المَثَل: فَتًى ولا كمالِك. وأنت لا تعدِم أجْرَ الصبِر على كمالِك.

<<  <   >  >>