فلْيتحقق من وقف على هذا الخطاب، ومَن عنده عِلمٌ من الكِتاب، من أهل مكة زادها الله شرفا وما في جوارها، وَطيْبة الطّيبة طيَّب الله ثراها وسائر أقطارها، وبقَّيِة الثُّغور، الباسِمة لدولتنا بمياسِم السرور، من حاضرها وباديها، أنَّا أعطيْنا القوسَ بارِيها.
فلم تكُ تصلحُ إلاَّ لَهُ ... ولم يكُ يصلحُ إلاَّ لَهَا
سدّد الله سِهامَ رأْيه في أغْراض الصَّواب، وفَتح له بمفاتحي السُّمْر كلَّ مُغَلقٍ من الأبواب.
ما سقطتْ من كفّ الثُّريّا الخواتِم، ورقَتْ على منابر الأغصان خُطباءُ الحمائِم والسلام (.
وإذ انتهينا إلى هذا المقام، فأصْغِ لم نقُصُّه عليك من عجائب الأيام، فإن المصْدورَ لا بدّ له من نَفْثه، ومَن جهِده المسيُر يطلب على الطَّريق مُكْثَة.
فاعلم أننا رأيْنا كل ملُك له مُبْتَدا تظهر فائدتهُ وعائدتهُ في خَبَره، وانتهاء يقف السَّعدُ بعد وِرْده عند صَدْر صَدَره.
ثم يرجع ما جرَى إلى قَراره، فُينذِر الإقْبال بإدْباره، ويعود تدْميرُه في تْدبيره ويُقدّر صانعُ القدرَ أديَمه على مِقدار تقديره.
وإلى الله ترجع الأمُور، وعلى بحُور الإرادة يجْرى الفلك ويدُور.
وقد تظهر قبل آخرِه فيه قُوّة، فيُظِهر فرِعْونُ طغيانَه وعُتُوه، وللشمس زوَال إذا ارتفعتْ، وللسمر سقوط إذا زَهَت وأيْنعتْ.