أو مَا ترى أن النبيَّ محمداً ... فاقَ البريَّة وهْو آخِرُ مُرسَلِ
فيا أدِلاَّء الهُدَى إني آنستُ من جانب الطُّور ناراً بها تَهْتدون، أو آتيكم بِشهاب قبسٍ لعلكم تصْطَلون، فإن لم يترُك الأوَّل شيئاً للآخِر، فخيرٌ من الكثير الغائب القليلُ الحاضر، ويا مَن هم في مُحَّيا الأيام حسَنة، لقد كان لكم في رسول اللهِ أُسْوة حسَنة، فلا يُزْرِ النَّورْ تأخُّرُه عن غِراس أغْصانِه، ولا يُكِلّ مَضاءَ السِّنان كونُه في أطْراف مُرَّانِه، على انه قد تتساوى الآصالُ والبُكُر، وتتشابه طُرَرُ العشِيَّات والسَّحر، وليس إلا للحسد رغِبتْ الطَّبائع، عن محاسنَ للعصرِ هي مِلءُ الأفواهِ والمسامِع.
وما شُكْرُهم للمَيْتِ إلاَّ لأنَّه ... بما حلَّ في أيديهِمُ غيرُ طامِعِ
وللهِ دَرُّ ابن رَشِيق، في قوله:
أُولِعَ الناسُ بامْتداح القديمِ ... وبذمِّ الجديدِ غير الذَّميمِ
ليس إلاَّ لأنهمْ حسَدُوا الحيَّ ... فرقُوا على العظامِ الرَّميمِ
والحُرُّ وإن حلَّ تيهاً وَبادِية، فستغدُو محاسنُه على رغم الخمول بادية، ولنا في ذِمَّة الدهر ديونٌ بأوقاتها مرهونَة، فإذا جاء إبِّانُهَا فكَّ الزمانُ رُهُونه.
على أنِّي أستغفر اللهَ مِن دهرٍ كلَّت فيه مُرهَفاتُ الطِّباع، ونفَضت الآمالُ فيه يدها من غُبار الأطماع، وَافيْناه على الهِرَم، وقد قلع ضِرْسَ النَّدم، بعد ما أكل باكورةَ الكرماء، وشابتْ بالصباح لياليه الدَّهْماء، ودبَّ خَرِفاً على عصا الجوْزاء.