هناك فأعانه على إنزاله ثم جلس ليأكل، فاستدعى ذلك الرجل ليأكل معه فأجابه وأكل معه، ثم سأله عن حاله فأخبره أنه رجل خرج من الكوفة لأمر أزعجه دون زاد، فقال له الرجل: كن رفيقي وتعينني على سفري ويكون طعامك عندي. فقال الرجل: أني حريص على خدمتك محتاج إلى طعامك. فسار معه في طريقه فخدمه على أحسن حال حتى وصلا تكريت، فنزلت الرفقة خارج المدينة ودخلت الناس لقضاء حوائجهم.
فقال الرجل للخادم: أحفظ رحلنا حتى أدخل فأقضي حاجتنا ثم دخل وقضى حوائجه فأبطأ هناك ثم خرج فلم يجد الرفقة ولا وجد صاحبه، فظن أنه لما رحلت الرفقة رحل معهم فلم يزل يسعى حتى وصل الرفقة بعد الجهد، فسألهم عن حماره وصاحبه فقالوا: ما جاء معنا ولا رأيناه ولكنه وضع الأسباب على الحمار ودخل المدينة على أثرك وظنناك أمرته بذلك. فكر الرجل راجعاً إلى تكريت فلم يجد له أثراً ولا وقع له على خبر، فيئس منه وسار إلى الموصل مسلوب المال فوافاها نهاراً جائعاً عرياناً فقيراً مجهوداً، فاستحى أن يدخل نهاراً فيشمت العدو ويحزن الصديق، فبقي حتى أمسى ثم دخل فدق باب داره فقيل له: من هذا؟ فقال: فلان، يعني نفسه. فأظهروا سروراً عظيماً لحاجتهم إليه وقالوا: الحمد لله الذي جاء بك في هذا الوقت على ما نحن فيه من الضرورة والحاجة والفاقة، حملت جميع مالك وطال سفرك واحتاج أهلك وهي نفساء قد ولدت لك في هذا اليوم ولداً، والله وجدنا ما نشتري به شيئاً للنفساء، ولقد كانت هذه الليلة طاوية على حالها، فتحيل لنا على دقيق ودهن وتسرج به علينا فلا سراج عندنا فزاده ذلك غماً وكره أن يخبرهم بحاله فيحزنهم وأخذ وعاء للدهن وجراباً للدقيق وخرج إلى هذا الحانوت، وكان فيه رجل يبيع الدقيق والزيت والعسل ونحوه، وقد أغلق دكانه وأطفأ مصباحه ونام، فناداه فأجابه وعرفه وشكر الله على سلامته.
فقال التاجر لصاحب الحانوت: اقدح زناداً أزن لك الدراهم في دقيق وزيت وعسل احتجت إليه الساعة، وكره أن يخبره بتأخير الثمن فيمتنع منه، فقدح البياع للزناد واستصبح فقال له التاجر: زن لي من الدقيق كذا ومن الزيت كذا، ومن العسل كذا ومن السمن كذا ومن الملح كذا ومن الحطب كذا، ما يرمق به الحال تلك الليلة.
فبينما هو كذلك إذ حانت منه التفاتة إلى قعر الحانوت فرأى فيه خرجه الذي هرب به صاحبه، فلم يملك أن وثب إليه والتزمه وألقى يده في أطواق صاحب الحانوت وجذبه إلى نفسه وقال له: يا عدو الله أين مالي؟ فقال له صاحب الحانوت: يا فلان؟ فوالله ما علمتك متعدياً ولا أعلم أني جنيت عليك ولا على سواك فما هذا؟ قال: خرجي فر لي به خادم خدمني بجميع مالي وبحماري! فقال له: ما لي علم غير أن رجلاً ورد علي بعد العشاء واشترى مني عشاؤه وأعطاني هذا الخرج، فجعلته في حانوتي وديعة وهذا الحمار في دار جارنا الرجل والرجل في المسجد نائم.
فقال له: احمل معي الخرج وامض معي إلى الرجل، فرفع الخرج معه وألقاه على عاتقه ومشى معه إلى المسجد، وإذا الرجل نائم في المسجد فرفسه برجله فقام الرجل مذعوراً فقال له: ما لك؟ فقال: أين مالي يا خائن؟ فقال: هو ذا على عاتقك والله ما تغادر منه ذرة! قال: فأين الحمار؟ قال هو عند ذا الجائي معك. فنهض إلى داره فوجد متاعه سليماً واستخرج الحمار من الموضع الذي كان فيه، ووسع على أهله وأخبرهم بقصته فازدادوا فرحاً وسروراً وتبركاً بذلك المولود.
ولما وفى موسى عليه الصلاة والسلام، لصهره شعيب عليه الصلاة والسلام، الأجل الذي أجلاه لرعي موسى غنم شعيب عليه الصلاة والسلام عوضاً عن مهر ابنته، أخذ موسى عليه الصلاة والسلام زوجته وكر راجعاً من مدين، فلما وافى موسى الوادي المقدس عند جانب الطور أحبنهم الليل