للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن ينتقض على خراسان فانتقضت دولته من خراسان.

وقال الواقدي: قال الفضل بن سهل: لما دعي المأمون في كورة خراسان بالخلافة فجاءتنا هدايا الملوك سروراً بمكانة من الخلافة، ووجه ملك كالبستان شيخاً يقال له ذوبان، وكتب يذكر أنه قد توجه بهدية ليس في الأرض أسنى ولا أرفع ولا أفخر ولا أنبل منها. فتعجب المأمون وقال: سل الشيخ ما معه. فسألته فقال الشيخ: ما معي شيء أكثر من علمي. قلت: وأي شيء علمك؟ قال: رأي ينفع وتدبير يقطع ودلالة تجمع. قال: فسر المأمون بذلك وأمر بإنزاله وإكرامه وكتمان أمره.

فلما أجمع على التوجه إلى العراق لقتال أخيه قال لذوبان: ما ترى في التوجه إلى العراق؟ قال: رأي وثيق وحزم مصيب وملك قريب، والسير ماض فاقض ما أنت قاض. قال له: فمن نوجه؟ قال: الفتى الأعور الطاهر الأطهر يسير ولا يعثر، قوي مرهوب مقاتل غير مغلوب. قال: وكم نوجه معه من الجند؟ قال: أربعة آلاف صوارم الأسياف، لا ينقصون فخر العدد ولا يحتاجون إلى المدد، فسر المأمون ووجه بطاهر بن الحسين قال: وفي أي وقت يخرج؟ قال: مع طلوع الفجر لك الأمر ويصير إلى النصر، نصر سريع وقتل ذريع وتفريق تلك الجموع والنصر له لا عليه ثم يرجع الأمر إليك وإليه، فظفر طاهر وكان له النصر وقتل علي بن عيسى وزير الأمين واستولى على عسكره وحاز أمواله. فأمر الملك لذوبان بمائة ألف درهم فلم يقبلها وقال: أيها الملك إن ملكي لم يوجهني إليك لأنقصك مالك فلا تجعلن ردي نعمتك تسخطاً وسوف أقبل ما يفي بهذا المال ويزيد عليه.

قال المأمون: وما هو؟ قال: كتاب يوجد بالعراق فيه مكارم الأخلاق وعلوم الآفاق، من كتب عظيم الفرس فيه شفاء النفس من صنوف الآداب ما ليس في كتاب، عند عاقل لبيب وفطن أريب، يوجد تحت إيوان كسرى بالمدائن، يقاس بالذراعين في وسط الإيوان لا زيادة ولا نقصان، فأحفر المدر واقلع الحجر، فإذا وصلت إلى الساحة فاقتلعها تجد الحاجة ولا تلزم لغيرها، فيلزمك غب ضرها. فأرسل المأمون إلى إيوان كسرى فحفروا في وسطه فوجدوا صندوقاً صغيراً من زجاج أسود عليه قفل منه فحمل إلى المأمون. فقال لذوبان: هذه بغيتك؟ قال: نعم أيها الملك. قال خذها وانصرف. فتكلم بلسانه ونفخ في القفل فانفتح فأخرج منه خرقة ديباج، فنشرها فسقط منها أوراق فمدها مائة ورقة ولم يكن في الصندوق شيء غيرها فأخذ الأوراق وانصرف إلى منزله. قال الفضل بن سهل: فجئته فسألته فقال: هذا كتاب جاويدان جرد تأليف بنحور وزير الملك ابرازشهر، فطلبت منه شيئاً فدفع إلي منه ورقات وترجمها لي الخضر بن علي، ثم أخبرت المأمون فقال: احمل إلي الورقات. فحملتها إليه فقرأها فقال: هذا والله الكلام لا ما نحن فيه من لي ألسنتنا في فجوات أشداقنا، ولولا أن العهد حبل طرفه بيد الله تعالى وطرفه بأيدينا لأخذته منه.

فصل

من نوادر بزرجمهر حكيم الفرس قال: نصحني النصحاء ووعظني الوعاظ شفقة ونصيحة وتأديباً، فلم يعظني أحد مثل شيبي ولا نصحني مثل فكري، ولقد استضأت بنور الشمس وضوء القمر فلم استضئ بضياء أضوء من نور قلبي، وملكت الأحرار والعبيد فلم يملكني أحد ولا قهرني غير هوائي، وعاداني الأعداء فلم أر أعدى إلي من نفسي، إذا جهلت واحترزت لنفسي بنفسي من الخلق كلهم حذراً عليها وشفقة فوجدتها أشر الأنفس لنفسها، ورأيت أنه لا يأتيها الفساد إلا من قبلها، وزاحمتني المضائق فلم يزحمني مثل الخلق والسوء. ووقعت من أبعد البعد

<<  <   >  >>