للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قريب من الناس قريب من الجنة بعيد عن النار، والبخيل بعيد من الله بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار، والجاهل السخي أحب إلى الله من عابد بخيل. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ابن آدم، إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو أعطيت فأمضيت! واعلموا أن السخاء على وجوه: سخاء في الدين وسخاء في الدنيا، فالسخاء في الدنيا البذل والعطاء والإيثار وسماحة النفس. قال الله: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر: ٩) ، وعلامته ترك الإدخار وبغض جمع المال، وتعاهد الإخوان مسروراً قلبه بذلك. والسخاء في الدين أن تسخو بنفسك، أن تتلفها لله تعالى وتريق دمك في الله، سماحة من غير كراهة لا تريد بذلك ثواباً عاجلاً ولا آجلاً، وإن كان غير مستغن عن الثواب لأن الغالب على قلبه حسن كمال السخاء بترك الاختيار على الله تعالى، حتى يفعل الله بك ما تحب أن تختاره لنفسك.

وقيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: من السيد؟ قال: الجواد إذا سئل، الحليم إذا استجهل، الكريم المجالسة لمن جالسه، الحسن الخلق لمن جاوره. وقال النعمان بن المنذر يوماً لجلسائه: من أفضل الناس عيشاً وأنعمهم بالاً، وأكرمهم طباعاً وأجلهم في النفوس قدراً؟ فسكت القوم، فقال فتى: أبيت اللعن! أفضل الناس من عاش الناس في فضله! قال: صدقت! وقال الحسن: باع طلحة بن عثمان أرضاً بسبعمائة ألف، فلما جاءه المال قال: إن رجلاً يبيت هذا عنده لا يدري ما يطرقه لغرير بالله، ثم جعلها صرراً وجعل رسوله يختلف إلى الناس حتى قسمها، وما أصبح عنده منها درهم. وكان أسماء بن خارجة يقول: ما أحب أن أرد أحداً عن حاجة لأنه إن كان كريماً أصون عرضه، وإن كان لئيماً أصون عنه عرضي.

وكان مورق العجلي يتلطف في إدخال الرفق على إخوانه، فيضع عندهم ألف درهم ويقول: أمسكوها حتى أعود إليكم. ثم يرسل إليهم: أنتم منها في حل! وقال العتبي: أعطى الحكم بن عبد المطلب جميع ما يملك، فلما نفذ ما عنده ركب فرسه وأخذ رمحه يريد الغزو ومات بمنيح، فأخبرني رجل من أهل منيح قال: قدم علينا الحكم وهو مملق لا شيء معه فأغنانا. فقيل: كيف أغناكم وهو مملق؟ قال: ما أغنانا بمال ولكنه علمنا الكرم، فعاد بعضنا على بعض فاستغنينا! وأكرم العرب في الإسلام طلحة بن عبد الله، جاءه رجل فسأله برحم بينه وبينه فقال: هذا حائطي بمكان كذا وكذا، وقد أعطيت فيه ستمائة ألف درهم يراح إلي بالمال العشية، فإن شئت فالمال وإن شئت فالحائط. ويروى أن رجلاً بعث إلى جبلة بجارية فوافته بين أصحابه فقال: قبيح أن آخذها لنفسي وأنتم حضور، وأكره أن أخص بها واحد منكم وكلكم له حق وحرمة، وهذه لا تحتمل القسمة وكانوا ثمانين رجلاً، فأمر لكل واحد منهم بجارية أو وصيف! وقيل لقيس بن سعد: هل رأيت قط أسخى منك؟ قال: نعم، نزلنا بالبادية على امرأة، فحضر زوجها فقالت: إنه نزل بك ضيفان، فجاء بناقة فنحرها وقال: شأنكم! فلما جاء الغد جاء بأخرى ونحرها وقال: شأنكم! فقلت: ما أكلنا من التي نحرت البارحة إلا اليسير. فقال: إني لا أطعم أضيافي الغاب! فأقمنا عنده أياماً والسماء تمطر وهو يفعل كذلك، فلما أردنا الرحيل وضعنا في بيته مائة دينار وقلنا للمرأة: اعتذري لنا منه. ومضينا، فلما متع النهار إذا رجل يصيح خلفنا: قفوا أيها الركب اللئام! أعطيتمونا ثمن القرى؟ ثم إنه لحقنا وقال: لتأخذنها وإلا طعنتكم برمحي! فأخذناها وانصرف. قال ميمون بن مهران: من طلب مراضاة الإخوان بلا شيء فليصحب أهل القبور.

<<  <   >  >>