منه شيئاً! وقال بعض الرواة: دخلت على بشر الحافي في يوم شديد البرد وقد تعرى من الثياب، فقلت: يا أبا نصر الناس يزيدون الثياب في مثل هذا اليوم وأنت تنقص؟ فقال: ذكرت الفقراء وما هم فيه ولم يكن لي ما أواسيهم، فأردت أن أوافقهم بنفسي في مقاساة البرد! وقال الأستاذ أبو علي: لما سعى غلام خليل بالصوفية إلى الخليفة بالزندقة أمر بضرب أعناقهم، فأما الجنيد فإنه تستر بالفقه وكان يفتي على مذهب أبي ثور، وأما الشحام والرقام والثوري وجماعة فقبض عليهم وبسط النطع لضرب أعناقهم، فتقدم الثوري، فقال له السياف: أتدري لماذا تقدم وتساق؟ قال: نعم. قال: وماذا يعجلك؟ قال: أوثر أصحابي بحياة ساعة! فتحير السياف وأتى الخبر إلى الخليفة فردهم إلى القاضي ليتعرف حالهم. فألقى القاضي على أبي الحسن الثوري مسائل فقهية فأجاب على الكل، ثم أخذ يقول: إن لله عباداً إذا قاموا قاموا بالله، وإذا نطفوا نطفوا بالله. وسرد ألفاظاً حتى أبكى القاضي فأرسل إلى الخليفة وقال: إن كان هؤلاء زنادقة فما على وجه الأرض مسلم! ولما مرض قيس بن ساعدة استبطأ إخوانه في العيادة، فسأل عنهم فقيل له: إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين. فقال: أخزى الله ما لا يمنع الإخوان من الزيارة! ثم أمر من ينادي: من كان لقيس عنده مال فهو منه في حل! فكسرت عتبة بابه بالعشي لكثرة العواد. ويروى أن عبد الله بن جعفر، وكان
أحد الجواد، خرج إلى ضيعة له فنزل على نحيل قوم وفيها غلام أسود يقوم عليها، فأتى بقوته ثلاثة أقراص، ودخل كلب فدنا من الغلام فرمى له قرصاً فأكله، ثم رمى له الثاني والثالث فأكلهما وعبد الله ينظر، فقال: يا غلام كم قوتك كل يوم؟ قال: ما رأيت! قال: فلم آثرت هذا الكلب؟ قال: ما هي بأرض كلاب وإنه جاء من مسافة بعيدة جائعاً فكرهت رده. قال: فما أنت صانع اليوم؟ قال: أطوي يومي هذا! فقال عبد الله بن جعفر: أألام على السخاء وهذا أسخى مني. فاشترى الحائط والغلام وما فيه من آلات وعتق الغلام ووهب ذلك له.
وقال الثوري: رأيت محمد بن سوقة بالغد وصاحب مائة ألف، وبالعشي سألنا له من أصحابه خبزة. وقال أبو عبد الرحمن: دخل أبو عبد الله الروذباري إلى دار بعض أصحابه فوجده غائباً، وهناك بيت مقفل، فكسر القفل وأمر بجميع ما وجده فيه، فأنفذوه إلى السوق فباعوه وأصلحوا لهم وقتاً من الثمن، فجاء صاحب البيت فلم يقل شيئاً، فدخلت امرأته بعدهم الدار وعليها كساء فدخلت بيتاً ورمت الكساء وقالت: يا صاحبنا هذا أيضاً من جملة المتاع بيعوه! فقال زوجها: لم تكلفت هذا باختيارك؟ فقالت: اسكت! مثل الشيخ يباسطنا ويحكم علينا ونبقي شيئاً ندخره عنه؟ وأما عبد الملك بن بحر فورث خمسة آلاف درهم، فبعث بها إلى إخوانه صرراً وقال: كنت أسأل لإخواني الغنية في صلاتي وأبخل عليهم بحلالي. ويروى أن الأشعث بن قيس أرسل إلى عدي بن حاتم يستعير منه قدوراً كانت لأبيه حاتم، فملأها وبعث بها إليه وقال: إنا لا نعيرها فارغة! وقال بزرجمهر: لا عز أثبت أركاناً ولا أبذخ بنياناً من بيت الكرم واكتساب الشكر. وذلك أن العز المنتظم بالفعل الجميل باقٍ في قلوب الرجال، فمن تحصن بالجود وتحرز بالمعروف فقد ظفر بما نواه وربح الشكر والثواب. ويروى أن عبد الله بن أبي بكر، وكان أحد الأجواد، عطش يوماً في طريقه فاستسقى من منزل امرأة فأخرجت إليه كوزاً وقامت خلف الباب وقالت: تنحوا عن الباب وليأخذه بعض غلمانكم، فإني امرأة من العرب مات زوجي منذ أيام.