للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويحلها من كان صاحب عقدها

كرماً به إذ كان يملك حلها

فما لبث بعد ذلك إلا أياماً حتى أطلق مكرماً. ولتميم بن المعز:

تماسكت صبراً واحتساباً فإنني

أرى الصبر سيفاً ليس فيه فلول

عذابي أن أشكو إلى الناس أنني

عليل ومن أشكو إليه عليل

وإن الذي يشكو إلى غير راحم

ويفشو بما في نفسه لمجهول

وقال بعض الشعراء:

دع الدهر يجري بمقداره

ويقضي عجائب أوطاره

ونم نومة عن ولاة الأمور

وخل الزمان بتدواره

فإنك ترحم من قد غبطت

وتعجب من قبح آثاره

وأنشد بعضهم:

ويمنعني الشكوى إلى الناس أنني

عليل ومن أشكو إليه عليل

ويمنعني الشكوى إلى الله أنه

عليم بما أبديه قبل أقول

ولغيره:

إذا ابتليت فثق بالله وارض به

إن الذي يكشف البلوى هو الله

إذا قضى الله فاستسلم لقدرته

ما لامرئ حيلة فيما قضى الله

اليأس يقطع أحياناً بصاحبه

لا تيأسن فإن الصانع الله

وصرف من هذه اللفظة صابر وصبور وصبار ومتصبر: فالمتصبر من صبر في الله على المكاره فتارة يعجزه وتارة يصبر، والصابر من لا يشكو ولا يعجز والصبار الذي لو جمع عليه جميع البلايا والمحن لم تتغير من وجهه الحقيقة وإن تغير من وجهه الرسم والبشرة والخلقة كما قال الشاعر:

صابر الصبر فاستغاث به الصب

ر فصاح الصبور: يا صبر صبراً!

وهذا أقوى بيت قيل في الصبر وأحسنه؛ وقريب منه قول القائل:

صبرت على الأيام صبراً أصارني

إلى أن ينادي الصبر: لا صبر لا صبر!

والصبور هو الثابت على هذه المقامات وقيل أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: تخلق بأخلاقي وإن من أخلاقي أني أنا الصبور. ويقال: الصبر لله فناء والصبر بالله بقاء، والصبر في الله بلاء والصبر من الله وفاء، والصبر عن الله جفاء؛ وأنشدوا في المعنى:

إذا لعب الرجال بكل شيء

رأيت الحب يلعب بالرجال

وكيف الصبر عمن حل مني

بمنزلة اليمين من الشمال

وقال المحاسبي: من الصبر والتصبر حالة هي التنعم، وذلك إذا رفع الله تعالى له علماً من أعلام الآخرة يدله على منازل الصابرين عنده، فيتنعم القلب بسرور النعم وقال أبو محمد بن الحارث: الصبر أن لا يفرق بين حال النعمة والمحنة مع سكون الخاطر فيهما، والصبر هو السكون مع البلايا ومع وجدان أثقال المحنة. وأنشدوا:

صبرت ولم أطلع هواك على صبري

وأخفيت ما بي منك عن موضع الصبر

مخافة أن يشكو ضميري صبابتي

إلى دمعتي سراً فتجري ولا أدري

وقيل للمحاسبي: بماذا يقوى الصابر على صبره؟ فقال: إذا علمت أن في صبرك رضى مولاك، أما سمعت قول الحكيم:

<<  <   >  >>