للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدليل الثالث: أن المباح وإن كان الأصل فيه الإباحة، إلا أن هذا المباح راجع إلى إذن الشارع، فإذا أراد المكلَّف أن يتوسل بالأمر المباح إلى ما هو حرام، فإن الشارع هنا يتدخل ليمنعه من بلوغ غايته.

والأدلة الدالة على تحريم العقد المفضي إلى فعل محرم كثيرة، وأمثلتها في كتب الفقه شهيرة، وقد ذكر صاحب الشرح الكبير طرفاً منها فقال: «وهكذا الحكم في كل ما قصد به الحرام كبيع السلاح في الفتنة أو لأهل الحرب أو لقطّاع الطريق، وبيع الأمَة للغناء أو إجارتها لذلك فهو حرام والعقد باطل لما قدمنا».

قال ابن عقيل: «وقد نص أحمد على مسائل نبه بها على ذلك فقال في القصاب والخباز إذا علم أن من يشتري منه يدعو عليه من يشرب المسكر لا يبيعه، ومن يخرط الأقداح لا يبيعها لمن يشرب فيها ونهى عن بيع الديباج للرجال ولا بأس ببيعه للنساء، وروي عنه لا يبيع الجوز من الصبيان للقمار وعلى قياسه البيض فيكون بيع ذلك كله باطلا» (١).

وذكر صاحب المحلى أيضاً طرفاً من هذه الأمثلة فقال: «ولا يحل بيع شيء ممن يوقن أنه يعصي الله به أو فيه، وهو مفسوخ أبداً، كبيع كل شيء ينبذ، أو يعصر ممن يوقن أنه يعمله خمراً، وكبيع الدراهم الرديئة ممن يوقن أنه يدلس بها، وكبيع الغلمان ممن يوقن أنه يفسق بهم أو يخصيهم، وكبيع المملوك ممن يوقن أنه يسيء ملكته، أو كبيع السلاح أو الخيل ممن يوقن أنه يعدو بها على المسلمين، أو كبيع الحرير ممن يوقن أنه يلبسه، وهكذا في كل شيء» (٢).


(١) الشرح الكبير (١١/ ١٧٠).
(٢) المحلى لابن حزم (٧/ ٥٢٢).

<<  <   >  >>