للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذه السنة كان المنجّمون قد أرجفوا في سائر الأرض بأن يكثر الهواء (١) ويهلك الخلق ويخرب ما على وجه الأرض، ولا ينجوا (٢) إلا من يأوي إلى مغارات، حتى أن قليج رسلان سلطان الروم والأرمن عمل مغارات وسُروبًا (٣) تحت الأرض وسقفها بالأخشاب، وأحرز فيها القوت (٤)، و (فعل) (٥) ذلك في عامة مملكته (٦)، واشتدّ الإرجاف.

وكان بدمشق رجل يقال له عباس الطبيب عمل له مغارة بجبل قاسيون وأودعها جميع ما يحتاج إليه، وعزم تلك الليلة بأن يبيت (فيها) (٧) هو وعياله، فبعث إليه الصفيّ بن القابض (٨)، وأخذ منه مفتاح المغارة، وقال: ما تسلم أنت ويهلك جميع الناس، يكون لك أسوة (بكل) (٩) من في دمشق، فبات تلك الليلة في همٍّ طويل (١٠). ولم يحدُث في تلك الليلة ضرر البتة إلا سكون الهواء (١١) حتى آذى (١٢) الناسَ الكرْب (١٣).


(١) في "أ": "الهوى".
(٢) هكذا في النسختين، الصواب: "ولا ينجو".
(٣) سُرُوبًا: مفردها: سَرَب. وهو الطريق أو النفق تحت الأرض.
(٤) حتى هنا في: الدر المطلوب ٧٩.
(٥) من "ب".
(٦) في "أ": "ملكه"، وفي "ب": "فملكته".
(٧) من "ب".
(٨) توفي (الصفي بن القابض) في شهر رجب سنة ٥٨٧ هـ. وكان متولّي دمشق لصلاح الدين يحكم في جميع بلاده. (الكامل ١٠/ ١٠٤).
(٩) من "ب".
(١٠) ينفرد المؤلّف بهذا الخبر.
(١١) في "أ": "الهوى".
(١٢) في "ب": "اذا".
(١٣) وقال العماد الكاتب الأصفهاني "أجمع المنجمون في سنة اثنتين وثمانين في جميع البلاد بخراب العالم في شعبان عند اجتماع الكواكب الستة في الميزان بطوفان الريح في سائر البلدان. وخوفوا بذلك من لا توثق له باليقين، ولا إحكام له في الدين من ملوك الأعاجم والروم، وأشعروهم من تأثيرات النجوم، فشرعوا في حفر مغارات على النجوم، وتعميق بيوت في الأسراب وتوثيقها، وشدّ منافسها على الريح، ونقلوا إليها الماء والأزواد وانتقلوا إليها، وانتظروا الميعاد وسلطاننا متنمّر من أباطيل المنجمين، موقن أنّ قولهم مبني على الكذب والتخمين. فلما كانت الليلة التي عينها المنجّمون لمثل ريح عاد، ونحن جلوس عند السلطان، والشموع توقد، وما يتحرّك لنا نسيم، ولم نر ليلة مثلها في ركودها".
وعمل في ذلك جماعة من الشعراء. (انظر: تاريخ الإسلام - حوادث سنة ٥٨٢ هـ ص ١٠، ١١ و ١٣، والكامل ١٠/ ١٩، ومرآة الزمان ج ٨/ ٣٨٥ و ٣٨٧ ومنتخب الزمان ٢/ ٣١٤، والعبر ٤/ ٢٤٦، ٢٤٧).

<<  <   >  >>