فبمجموع طرقها تنجبر وتكون من باب الحسن لغيره، وقد ترتفع لدرجة الصحيح لغيره لكثرة طرقها، خاصة أن بعض طرقها مقارب ولا بأس بها كرواية أبى داود عن أبى هريرة، وهذا الحديث أصل في باب الصلح، وأن الصلح جائز بين المسلمين.
وكان - عليه الصلاة والسلام - يشير بالصلح في بعض القضايا، وقد ثبت في البخاري وغيره أنه لما تخاصم ابن أبى حَدْرَد وأبى بن كعب في مال بينهما وارتفعت أصواتها جعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - يُشير إلى صاحب المال أن ضع الشطر فرضى فوضع الشطر (١).
وثبت - أيضًا - في الصحيحين من حديث جابر - رضي الله عنه - أنه كان على أبيه دين فطلب منهم أن يُنظِروه فأبوا، فطلب منهم أن يأخذوا ثمر حائطه فأبوا، فطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يشفع له، لكنهم على عادتهم، وهم قوم من اليهود وهم قوم بُهتٍ وكذبٍ فلم يقبلوا، فجاء - عليه الصلاة والسلام - على التمر فأمر جابراً أن يضعه بيادر كل بيدر على حدة، أي أن يأخذ التمر ويضعه في أماكنه لحفظه، فجاء - عليه الصلاة والسلام - فدار على أعظمهم بَيدراً فجعل يقضيهم
(١) أخرجه البخاري في صحيحه في باب كلام الخصوم بعضهم في بعض (١/ ٦٠٣)، وأخرجه مسلم في صحيحه (٥/ ٣٠) في كتاب البيوع كلاهما من حديث كعب بن مالك رضى الله عنه أنه تقاضى ابن أبي حدْرَد دَيناً كان له عليه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيته فخرج إليهما رسول الله ونادى كعبًا فقال: "يا كعب" فقال: لبيك يا رسول الله، فأشار إليه أن ضع الشطر من دَينِك. . ".