للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مشروب فلم تذهب رائحته، لم يبح تناوله. وكان مالك لا يرى بما مسته النار من الطعام بأساً، وإن بقيت رائحته وطعمه ولونه. وإن مس ما لا يعلق بيده كالمسك والعنبر فلا فدية، إلا أن يشمه. وإن علق بيده كالغالية وماء الورد والمسك المسحوق، افتدى. ولو شم العود والفواكه كلها من الأترنج وغيره ونبات الصحراء كالشيح وغيره، فلا فدية فيه، لا نعلم فيه خلافاً، إلا ما روي عن ابن عمر: "أنه كره للمحرم أن يشم شيئاً من نبات الأرض"، ولا نعلم أحداً أوجب فيه شيئاً. وما أنبته الآدميون للطيب ولا يتخذ منه طيب، كالريحان الفارسي والنرجس، ففيه روايتان: إحداهما: "يباح بغير فدية"، وبه قال عثمان وابن عباس. والثانية: "يحرم، فإن فعله افتدى"؛ وبه قال جابر وابن عمر والشافعي، وكرهه مالك ولم يوجب فيه شيئاً.

وأما ما ينبت للطيب ويتخذ منه كالورد، ففيه الفدية، وعنه: لا شيء في شمه لأنه زهرٌ. فأما الدهن الذي لا طيب فيه، فنقل ابن المنذر الإجماع على أن له أن يدهن بدنه بالشحم والزيت والسمن. وعنه في الزيت الذي يؤكل: لا يدهن به رأس المحرم؛ فظاهره أنه لا يدهن رأسه بشيء من الأدهان، وبه قال مالك، والشافعي لأنه يزيل الشعث، فأما سائر البدن فلا نعلم عن أحمد فيه منعاً. وقد أجمعوا على أن إباحته في اليدين، وفي إباحته في جميع البدن روايتان. وإن قصد شم الطيب من غيره بفعل منه، مثل أن يجلس عند العطار لذلك، لم يجز، وأباحه الشافعي.

ولا خلاف في تحريم قتل صيد البر واصطياده على المحرم، وما ليس بوحش كالدجاج ونحوه، فلا بأس به، لا نعلم فيه خلافاً. والاعتبار بالأصل لا بالحال، فلو استأنس الوحشي وجب فيه الجزاء كالحمام، ولو توحش الأهلي لم يجب فيه. قال أحمد: إنما جعلت الكفارة في الصيد المحلل أكله، وهذا قول أكثر أهل العلم،

<<  <   >  >>