للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولنا: قوله صلى الله عليه وسلم للذيْن اختصما في مواريث درست: "استهما، وتوخّيا، وليحلل أحدكما صاحبه". ١ رواه أحمد. فأما ما يمكنهما معرفته، أو يعلمه الذي هو عليه ويجهله صاحبه، فلا يصح الصلح عليه مع الجهل. قال أحمد: إن صولحت امرأة من ثمنها لم يصح، واحتج بقول شريح: أيما امرأة صولحت من ثمنها، لم يتبيّن لها ما ترك زوجها، فهي الريبة كلها. قال: وإن ورث قوم مالاً ودوراً أو غير ذلك، فقال بعضهم: نخرجك من الميراث بألف درهم، أكره ذلك. ولا يشترى منها شيئاً وهي لا تعلم، لعلها تظن أنه قليل وهو يعلم أنه كثير. إنما يصالح الرجل الرجل على الشيء لا يعرفه، أو يكون رجل يعلم ما لَه عند رجل، والآخر لا يعلمه، فيصالحه، فأما إذا علم، فَلِمَ يصالحه؟ إنما يريد أن يهضم حقه ويذهب به.

القسم الثاني: أن يدعي عليه عيناً أو ديْناً فينكره، ثم يصالحه على مال، فيصح ويكون بيعاً في حق المدعي، حتى إن وجد بما أخذه عيباً فله رده وفسخ الصلح. والصلح على الإنكار صحيح، وبه قال مالك. وقال الشافعي: لا يصح لأنه عاوض عما لا يثبث له. ولنا: عموم قوله: "الصلح بين المسلمين جائز". ٢ فإن قالوا: فقد قال: "إلا صلحاً أحلّ حراماً "، ٣ وهذا داخل فيه، لأنه لم يكن له أن يأخذ من مال المدعى عليه، فحل بالصلح، قلنا: لا يصح حمل الحديث عليه، لأن هذا يوجد في الصلح بمعنى البيع، فإنه يحل لكل منهما ما كان محرماً عليه قبله، وكذلك الصلح بمعنى الهبة، ولأنه لو حل به المحرّم لكان صحيحاً، فإن الصلح الفاسد لا يحلّ الحرام، وإنما معناه: توصل به إلى تناول المحرّم مع بقائه على تحريمه، وهم يبيحون لمن له حق يجحده غريمه أن يأخذ من ماله بقدره أو دونه، فلأن يحل برضاه أو بذله أولى. وقولهم:


١ البخاري: المظالم والغصب (٢٤٥٨) والشهادات (٢٦٨٠) والحيل (٦٩٦٧) والأحكام (٧١٦٩, ٧١٨١, ٧١٨٥) , ومسلم: الأقضية (١٧١٣) , والترمذي: الأحكام (١٣٣٩) , والنسائي: آداب القضاة (٥٤٠١, ٥٤٢٢) , وأبو داود: الأقضية (٣٥٨٣) , وابن ماجة: الأحكام (٢٣١٧) , وأحمد (٦/٢٠٣، ٦/٢٩٠، ٦/٣٠٧، ٦/٣٠٨، ٦/٣٢٠) ، ومالك: الأقضية (١٤٢٤) .
٢ الترمذي: الأحكام (١٣٥٢) , وابن ماجة: الأحكام (٢٣٥٣) .
٣ أبو داود: الأقضية (٣٥٩٤) .

<<  <   >  >>