قال: والثاني - وهو من الأدلة القاطعة -: أن كلمة مصلح لم تتداول ولم يعرف الإكثار من ذكرها: بل ولا ذكرها مطلقاً إلا عند ظهور هذا النشء الفاسد المارق, فلا تسمع كلمة مصلح من مؤمن بالله ورسوله, وإنما تسمعها منهم حتى صارت شعاراً لهم. فتعين أن الآية نازلة فيهم لا في منافقي عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - , فإنه لم ينقل عنهم أنهم كانوا يقولون إنهم مصلحون, ولا نقل عن واحد منهم كلمة مصلح.
قال: والثالث أنه لم ينقل عن المنافقين أنهم كانوا يفسدون في الأرض ولا كان لهم كثرة وانتشار حتى يقال إنهم أفسدوا في الأرض, وإنما الذين ملؤوا الأرض فسادا هم المارقون الملاحدة.
قال: وأما منافقو زمانه - صلى الله عليه وسلم - فلم يحصل منهم فساد في البقعة الصغيرة التي كانوا بها مطلقا, فضلا عن أن يحصل منهم في الأرض, بل ما صدر منهم مما يسمى فسادا في الأرض مقدار شعرة بالنسبة لثور مما صدر من هؤلاء, بل لم يصدر من أولئك فساد أصلا إلا ما كان في نفوسهم من الكفر القاصر عليهم, وهو النفاق, فكيف يمكن حمل الآية عليهم وهم أبرياء منها.
ثم قال: فأقسم بالله تعالى إن الله تعالى ما أراد بالآيات إلا هؤلاء المارقين وأنه لو رآهم المفسرون من السلف لقطعوا بذلك ورجعوا عن تنزيلهم الآية على منافقي عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثم أطال الكلام في الذب عن المنافقين الذين كانوا في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - , وذكر أنه لم يحصل منهم خداع لمؤمن واحد, وأن