واستغرقت الأمم الإسلامية في اتباع الأهواء والشهوات, وماتت الفضيلة في الناس, وساد الجهل وانطفأت قبسات العلم الضئيلة.
وانقلبت الحكومات الإسلامية إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال فليس يرى في العالم الإسلامي في ذلك العهد سوى المستبدين الغاشمين كسلطان تركيا وآخر ملوك المغول في الهند يحكمون حكما واهناً فاشي القوة متلاشي الصبغة, وقام كثير من الولاة والأمراء يخرجون على الدولة التي هم في حكمها وينشؤون حكومات مستقلة ولكن مستبدة كحكومة الدولة التي خرجوا عليها, فكان هؤلاء الخوارج لا يستطيعون إخضاع من في حكمهم من الزعماء هنا وهناك, فكثر السلب والنهب, وفقد الأمن, وصارت السماء تمطر ظلماً وجوراً.
وجاء فوق جميع ذلك رجال الدين المستبدون يزيدون الرعايا إرهاقا فوق ارهاق, فغلت الأيدي, وقعد عن طلب الرزق, وكاد العزم يتلاشى في نفوس المسلمين, وبارت التجارة بوراً شديداً, وأهملت الزراعة أي إهمال.
وأما الدين فقد غشيته غاشية سوداء, فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة الناس سجفا من الخرافات وقشور الصوفية, وخلت المساجد من أرباب الصلوات, وكثر عدد الأدعياء الجهلاء وطوائف الفقراء والمساكين, يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسحات, ويوهمون الناس بالباطل والشبهات, ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء, ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور.