للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن هذه الدعوى لا تستند إلى دليل، ويكذبها أبو العلاء نفسه، فقد روى عنه المؤرخون أنه أصيب بالجدري في الرابعة من عمره، وقد لبس ثوبًا أحمر، وفقد بصره في تلك الحالة، ولذلك فلم يكن يعرف من الألوان سوى الأحمر، فلو كان متمتعًا بشيء من البصارة بعد إصابته بالجدري لكان يعرف الكثير من الألوان غير الأحمر أيضًا، ونجد في ديوانه "سقط الزند" قصيدة نونية في وصف النجوم، أظن أن مرجليوث لم يطلع عليها. إن هذه القصيدة تشتمل على أبيات منقطعة النظير، تبعث على الحيرة والاستعجاب، ولم يقل مثلها أحد من العميان (١) وإن الجاحظ قد أبدى إعجابه ببيتين من شعر الأعشى وبشار، وليس فيهما أيّ طرافة وإبداع، فقال الصفدي: إن الجاحظ لو سمع قصيدة نونية لأبي العلاء لقضى منها العجب.

والحقيقة أن المعري كان قويّ التصور مرهف الحس، لأن ضعيف البصر لا يستطيع أن يصف النجوم قبل هذا الوصف البارع الذي يبعث على العجب، وأما تشبيه الهلال فلا يستلزم أن يكون الشاعر بصيرًا، لأن هذا التشبيه كان معروفًا لدى الشعراء قبل أبي العلاء، ولا غرابة فيما إذا كان الأعمى يعرف أن النون مستديرة.

٣ - ويزعم (٢) أن أبا العلاء لما وصل إلى بغداد خاطب الإِمام أبا حامد الإسفرائيني بإيعاز من القاضي أبي الطيب لإِنقاذ باخرته.

ولا يصدق الواقع هذه الدعوى، لأن منزلة أبي الطيب وأبي حامد كانت سواء عند أبي العلاء، لقيهما في بغداد، وكان كل واحد منهما فقيهًا ليس غير، ولو كان أحدهما أديبًا لكان ذلك سببًا لتفضيله على الآخر، وما الذي جعل القاضي أبا الطيب يحث أبا العلاء على مخاطبة الإِمام أبي حامد بقصيدته النونية؟.

٤ - ويقول: إن المجلس العلمي (٣) للشريف القاضي كان قد أقيم على طراز مجلس شابور، وذكره أبو العلاء في شعره ونثره. . الخ.

والحقيقة أن أبا العلاء لم يذكر إلا دار العلم التي أنشأها شابور، ولم يكن للشريف الرضي أيّ مجلس علمي، ولم تحدثه نفسه أن يقيم مجلسًا علميًّا، وهو


(١) م ٢٤.
(٢) م ٢٢.
(٣) م: ٢٤، ووقع نكلسن في نفس الخطأ، راجع كتابه تاريخ آداب اللغة العربية ص ٣١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>