للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلفنا بالعراق ونحن شرخ ... فلم نلمم بها إلا كهولًا

العصبة: كثير من الأخطاء يرجع إلى العصبية أو الكراهية الدينية، كما يتضح من النماذج التالية:

١٠ - قد أنكر من غير دليل تلك الروايات التي نالت شهرتها عن الذاكرة القوية للغاية لأبي العلاء، رغم أن بعضًا منها تنطبق عليها أصول الرواية والدراية معًا، منها ما رواه التبريزي وهو من أخص تلاميذ أبي العلاء، قال فيه علماء الرجال "وكان ثقة فيما يرويه" والتبريزي روى عنه السمعاني صاحب "الأنساب" عن طريق واسطة أو واسطتين وكلهم ثقات، وقد حكيت في كتابي حكايات عن ذاكرة الأصمعي والبخاري وهي أدهش وأغرب منها بكثير، فهل كذبها مرغليوث أيضًا؟

أكل امرئ ألفي أباه مقصرًا ... معاد لأهل المكرمَات الأوائل

الميزة الطبيعية التي تستطيع الملة الإِسلامية ولا سيما العرب أن يتحدوا بها في العالم من شرقه إلى غربه هي هذه الذاكرة الفريدة، وأن من طالع فصل الحفظ والعميان من أحد فصول "الغيث المنسجم" و"نكت الهميان" ومقدمة "الصبح المنبي" كيف يمكنه أن يكذب ذاكرة أبي العلاء الذي لم يقر له معاصره ابن القارح بالفضل والثناء الزائد فحسب بل سلم له قصبة السبق، وفضله في هذا المجال على ابن خالويه [و] أبي علي الفارسي وأبي الطيب اللغوي وغيرهما.

ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة ... بين الرجال وإن كانوا ذوي رحم

ولا داعي إلى العجب ولا لوم إذ انعدمت مثل هذه الأمثلة النادرة في الأقطار الباردة التي تعاني لأجل البرد من كثافة الأخلاط والأمشاج وغلظ الطبائع والعادات، ولكن ذلك لا يعني أبدًا أن تنكر فضائل الآخرين ومآثرهم عن قصد وتعمد، فإن الممالك الحارة -والحمد لله على ذلك- أتت بالعجائب وصنعت مآت من الأمثلة والخوارق التي تندر نظائرها في العالم، كما أفادت الصحف قبل عشرة أعوام أن جارية "مدراسية" بالهند حفظت عدة كتب منظومة باللغة السنسكريتية إضافة إلى عدة "فيدا" وهي في العاشرة من عمرها، هذا وكان من خبرها أنها كانت لا تسمع شيئًا إلا وعته ذاكرتها وذل به لسانها ولذا أشار عليها الأطباء بأن تعزل كل يوم في غرفة

<<  <  ج: ص:  >  >>