للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاشتغل عليه قليلًا، إذ أدرك شيخه اليوم المحتوم ولم يكن قضى حاجته من العلم، فأشار عليه بعض أصدقائه أن يرتحل إلى جوناكَره حيث يوجد مولانا سليمان المحدث الكبير فسار إليه. واشتغل برهة إذ أدركه ذلك اليوم فلم يبق له رغبة في المقام بها. إذ زاره بعض العسكريين المقيمين براجكوت ورغبوه أن يسير إليها فسار إليها. لما كان أبي نحو العشرين من عمره أخذ يتردد إليه، ويجلس في حلقاته، فتأثر بدعايته السلفية بحيث لما تزوج، وهو في ٢٢ من عمره عاهد الله أنه إن ولد له ولد، فإنه يخصصه لتعليم الدين، فولدت بعد عامين، فكنت بكر أولاده، ولما بلغت نحو ستة أو سبعة من الأعوام أرسلني بعد أن فرغت من القرآن وبعض مبادئ الأردية إلى جونكره حيث كانت توجد مدرسة تسمى مهاوت مدرسة، ونزلت عند عمي يوسف، وبقيت نحو ثلاثة أشهر، أتردد على هذه المدرسة، أذكر أني تعلمت فيها بعض "آمدنامه" وتعلمت خط الحروف الفارسية. ثم دعاني أبي إلى راجكوت فبقيت بها بعض أعوام، أدرس بعض الكتب الدينية بالأردية، إلى أن بلغت الثالث عشر من عمري إذ جاءه رجل من الوعاظ، حديث عهد بالإسلام، كان يدعى عبد الخالق فرفقني به والدي إلى دهلي لأتعلم هناك في صدر بازار ببعض مدارس أهل الحديث، وأذكر أنني وصلتها في آخر دسمبر سنة ١٩٥١، فبقيت هناك نحو ثلاثة أعوام أقرأ بعض علوم الصرف والنحو بالفارسية، وما كنت أتقنها، إذ دخل مدرستنا شاب كنت أذكر أني رأيته براجكوت فتقربت إليه فاستأنست به، وسألته عن مصيره إلى راجكوت فاعترف بذلك. وسألني عن مبلغ علمي، وكنت أتدارسه إذ ذلك فأخبرته بشرح الجامي والمشكاة، فتحير وقال أنا أهون منك شابًا لأني أريد أن أقرأ "بنج كنج" و"علم الصيغة" وما إلى ذلك وقال لي أنت أفضل منا وأرقى ثم سألني هل قرأت "الميزان" و"المنشعب" فأخبرته أني فرغت منهما قبل عامين فسألني عن اسمهما ووزنيهما ومعانيهما فلم أكد أن أجيبه جوابًا اعترفت بجهلي وعدم معرفتي بذلك، فعيرني أنك إذ لم تكن تعرف هاتين الصيغتين فلا أدري حاصلًا لك في الترقي إلى ما فوقها من الكتب الفخمة.

وأنا أرى كلمتَه هذه، نقطة الانتقال في حياتي العلمية، وذلك أنني بقيت في بعض زوايا المدرسة أفكر في شأني، وأنني غريب بدهلي عن الأبوين والوطن، وقد أضعت ثلاثة أعوام من دون أن أعرف الكلمة التي علمنيها الشيوخ، وقد وثقت تمام الثقة أن لن يحصل لي من هؤلاء الشيوخ كبير فائدة، وأني لن أستفيد في المستقبل

<<  <  ج: ص:  >  >>