القصّة إلى ابن دريد فلم يذكر أبا عمر بلفظة إلى أن مات، واعترفوا لأبي عمر بقوة الحفظ وسعة الاطلاع، ومما أجمع عليه العلماء أن من حفظَ حجةٌ على من لم يحفظ.
فأين ليت شعري ضاعت مصنفات مدرسة الكوفة، أو في آية خزائن الأرض لا تزال مدفونةً؟
ولا أدلَّ على صدق أبي عمر الزاهد وتثبّته مما ينقله عن الأئمة والدواوين الموثوقة من شهادة الإمام الأزهري المحقق في ختام تهذيبه (١) حيث يقول:
هذا آخر الكتاب الذي سمَّيته تهذيب اللغة، وقد حرصتُ أن لا أودعه من كلام العرب إِلا ما صحَّ لي سماعًا من أعرابيّ فصيح أو محفوظًا لإِمام ثقة، وأمَّا ما وقع في تضاعيف الكتاب لأبي بكر محمد بن دريد الشاعر واللَّيث بن المظفَّر مما لا أحفظه لغيرهما من الثقات، فإني قد ذكرت في أول الكتاب أني واقف في تلك الحروف، ويجب على الناظر فيها أن يفحص عن تلك الغرائب التي استغربناها وأنكرنا معرفتها، فإن وجدها محفوظة في كتب الأئمة أو في شعر جاهليّ أو بدويّ إسلاميّ علم أنها صحيحة، وما لم يصح له من هذه الجهة توقَّف عن تصحيحه.
وأما النوادر التي رواها أبو عمر الزاهد وأودعها في كتابه فإِني قد تأملتها ولم أعثر منها على كلمة مصحفَّة ولا مُزالة عن وجهها أو محرفة عن معناها، ووجدت عُظم ما روي لابن الأعرابي وأبي عمرو الشيباني وأبي زيد وأبي عبيدة والأصمعي معروفًا في الكتب التي رواها الثقات عنهم والنوادر المحفوظة لهم، ولا يخفى ذلك على من درس كتبهم وعُني بحفظها والتفقّد لها. ولم أذهب فيما ألّفت وجمعت في كتابي هذا مذهبَ من تصدّى للتأليف فجمع ما جمع من كتب لم يحكم معرفتها, ولم يسمعها ممن أتقنها، وحمله الجهل وقلة المعرفة على تحصيل ما لم يحصله وتكملة ما لم يكمله حتى أفضى به ذلك إلى أن صَحَّف فأكثر وغيَّر فأخطأ، ولمّا تأملت ما ألفه عنها الطبقة وجنايتَهم على لسان العرب الذي نزل به الكتاب ووردت السنن والأخبار، وإِزالتَهم كلام العرب عما عليه صيغة ألسنتها، وإدخالهم فيه ما ليس من لغاتها، علمتُ أن المميِّزين من علماء اللغة قلُّوا في أقطار الأرض، وأن من درس تلك الكتب