للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضها. والعلماء ورثة الأنبياء، فينبغي للعاقل أن يجهد أن يكون وارثًا من جميع الوجوه، ولا يكون ناقص الهمة.

وقد علم وليي وفقه الله أن حسن الطبيعة (١) الإنسانية إنما يكون بما يحمله من المعارف الإلهية وقبحها بضد ذلك. وينبغي للعالي الهمة أن لا يقطع عمره في معرفة المحدثات وتفاصيلها فيفوته حظه من ربه. وينبغي له أيضًا أن يشرح نفسه من سلطان فكره. فإن الفكر يُعلم مأخذه، والحق المطلوب ليس كذلك، وأن العلم بالله خلاف العلم بوجود الله. فالعقول تعرف الله من حيث كونه موجودًا ومن حيث السلب، لا من حيثية الإِثبات، وهذا خلاف (٢) الجماعة من العقلاء والمتكلمين، إلا سيدنا أبا حامد فإنه معنا في هذه القضية.

ويجل الله سبحانه أن يعرفه العقل بنظره وفكره. فينبغي للعاقل أن يخلي قلبه عن الفكر إذا أراد معرفة الله من حيث المشاهدة.

وينبغي للعالي الهمة أن لا يكون يتقيد (٣) عند هذا من عالم الخبال، وهي الأنوار المتجسدة الدالة على معان وراءها. فإن الخيال ينزل المعاني العقلية في القوالب الحسية كالعلم في صورة اللبن والفرآن في صورة [...] والد [...] في صورة [...].

وينبغي للعالي الهمة أن لا يكون معلمه مؤنثًا متعلقًا بالأخذ من النفس الكلية، كما ينبغي له أن لا يتعلق بالأخذ متفقير أصلًا، فكل ما لا كمال له إلا بغيره فهو فقير.

فإذا حال كل ما سوى الله عَزَّ وَجَلَّ، فارفع الهمة في أن لا تأخذ علمًا إلا منه سبحانه على الكشف. فإن عند المحققين أن لا فاعل إِلا الله، فأذن لا يأخذون إلا عن الله، لكن كشفًا لا عقلًا. وما فاز أهل الهمة إلَّا بالوصول إلى عين اليقين، أنفة بقاء مع علم اليقين.

واعلم أن أهل الأفكار إذا بلغوا فيه العناية القصوى أداهم فكرهم إلى خيال المقلد المصمم، فإن الأمر أعظم من أن يقف فيه الفكر. فما دام الفكر فمن المحال أن يطمئن العقل ويسكن.


(١) الأصل: اللطيفة.
(٢) الأصل: خلاق.
(٣) الأصل: يلقيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>