للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللعقل (١) حد يقف عنده من حيث قوتها في التعرف (؟ التغرق) الفكري. ولها صفة القبول لما يهبه الله تعالى.

فإذن ينبغي للعاقل أن يتعرض لنفحات الجود، ولا يبقى ماسورًا في قيد نظره وكسبه، فإنه على شبهة في ذلك.

ولقد أخبرني من أثق به من إخوانك؛ وممن له فيك نية حسنة جميلة أنه رآك وقد تكتب يومًا، فسألك هو ومن حضرك عن مكانك فقلت: مسألة اعتقدتها منذ ثلاثين سنة تبين لي الساعة بدليل لاحٍ لي أن الأمر على خلاف ما كان عندي فنكبت (٢) وقلت: ولعل هذا الذي لاح لي أيضًا مثل الأول، فإذا قولك (٣).

ومن المحال على العارف بمرتبة العقل والفكر أن يسكن أو يستريح، ولا سيما في معرفة الله تعالى: إذ من المحال أن يعرف ماهيته بطريق النظر.

فما لك يا أخي تبقى في هذه الورطة، ولا تدخل طريق الرياضات والمجاهدات والخلوات التي شرعها رسول الله - عليه السلام -، فتنال ما نال من قال فيه سبحانه [الكهف ٦٥]: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَينَاهُ [رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ] مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} الآية.

ومثلك من يتعرض لهذه الخطة الشريفة، والمرتبة العظيمة الرفيعة.

وليعلم وليي أن كل موجود عند سبب (٤) ذلك السبب محدث مثله. فإن له وجهين وجه ينظر إلى سببه، ووجه ينظر به إلى موجده وهو الله سبحانه. فالناس كلهم ناظرون إلى وجوه أسبابهم، والحكماء كلهم من الفلاسفة وغيرهم إلا المحققون من أهل الله كالأنبياء والأولياء والملائكة فإنهم مع معرفتهم بالسبب ناظرون من الوجه الآخر إلى موجدهم. ومنهم من نظر إلى ربهم من وجه سببه لا من وجهه فقال حدثني ربي.

وإليه أشار صاحبنا العارف بقوله: أخذتم علمكم عن الرسوم ميتًا عن ميت، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت.


(١) كذا. ولعله "وللعقول".
(٢) الأصل: فنكتب.
(٣) لعله: فهذه قواك، أو فهذا قولك.
(٤) لعله: مسبب.

<<  <  ج: ص:  >  >>