للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن كان وجوده مستفادًا من غيره فحكمه عندنا حكم لا شيء، فليس للعارف [أن] يقول غير الله ألبتة.

ثم ليعلم وليّي أن الحق وإن كان واحدًا فإن له إلينا وجوهًا كثيرة مختلفة. فاحذر عند الموارد الإِلهيات وتجلياتها من هذا الفصل فليس الحق من كونه ربا عندك حكمه (١) كحكمه من كونه مهيمنًا، ولا حكمه من كونه رحيمًا حكمه من كونه منتقمًا، وكذلك جميع أسماء الله تعالى.

واعلم أن الوجه الإِلهي الذي هو الله اسم جامع لجميع الأسماء، مثل الرب والقدير والشكور، وجميعها كالذات الجامع لما فيها من الصفات. فاسم الله مستغرق جميع الأسماء فتحفظ (٢) عند المشاهدة منه، فإنك لا تشاهده مطلقًا، فإذا ناجاك به وهو الجامع فانظر ما يناجيك به، وانظر المقام الذي تقتضيه تلك المناجاة أو تلك المشاهدة. فانظر أي (٣) اسم من الأسماء الإِلهية ينظر إليها. فذلك الاسم هو الذي خاطبك أو شاهدته، فهو المعبر عنه بالتحول في الصورة، كالغريق إذا قال يا الله فمعناه يا غياث أو يا منجي أو يا منقذ. وصاحب الألم إذا قال يا الله فمعناه يا شافي أو يا معافي وما أشبه ذلك، فقولي لك (؟) التحول ما ذكره مسلم في صحيحه: الباري يتجلى فينكر ويتعوذ منه فيتحول لهم في الصورة التي عرفوه فيها فيقرون بعد الإنكار، وهذا (٤) هو معنى المشاهدة هنا والمناجاة والمخاطبات الربانية.

وينبغي للعاقل أن لا يطلب من العلوم إلا ما يكمل فيه (٥) ذاته وينتقل معه حيث انتقل، وليس ذلك إلا العلم بالله تعالى من حيث الوهب والمشاهدة. فإن علمك بالطب مثلًا إنما يحتاج إليه في عالم الأسقام والأمراض. فإذا انتقلت إلى عالم ما فيه مرض ولا سقم فمن تداوي بذلك العلم؟ فالعاقل لا يسعى من حيث أن لا يكون له غير [كذا] وإن أخذه من طريق الوهب كطب الأنبياء عليهم السلام فلا يقف معه (٦) وليطلب العلم بالله. وكذلك العلم بالهندسة إنما يحتاج إليه في عالم المساحة، فإذا انتقلت تركته في عالمه ومضت النفس ساذجة ليس عندها شيء. وكذلك الاشتعال


(١) الأصل: حكم.
(٢) الأصل: يحفظ.
(٣) الأصل: إلى.
(٤) الأصل: هكذا.
(٥) بدل "به".
(٦) الأصل: فلا تقف.

<<  <  ج: ص:  >  >>