للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال آخرون: بل يستقيم أن يقال الرياح لريح واحدة من الرياح الأربع ونَكْباواتها إذا كان يهبّ منها شيء بعد شيء فإن (١) كل جزء منها يسمَّى ريحًا وهذه المتابعة تستنزل الغيث، واحتجّوا بأنها إحدى الأرواح بقول أبي ذؤيب:

مَرَتْه النُعامَى ولم يعترف ... خِلافَ النُعَامَى من الشأم ريحا (٢)

وقال آخر يمدح رجلًا:

فتىً خُلِقت أخلاقُه مطمئنّةً ... لها نَفَحاتٌ ريحهن جَنوبُ

يريد أن الغيث إنما تأتي به الجَنوب. واحتجّوا في تسمية كل جزء من الريح بقول العرب: بعيرٌ ذو عثانين جعلوا كل خُصلة عُثنونًا، ويقولون: شابت مَفارقُه يجعلون كل جزء من رأسه مَفْرِقًا. قال جرير (٣):

قال العواذل ما لجهلك بعدما ... شاب المفارق واكتسين قتيرا

ولم يرووا أن الاجتياح كان قطّ إلا بريح واحدة. روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -[أنه] قال "نُصرتُ بالصَبا وأُهلكت عاد بالدَبور" (٤).

ومما جاء متفق اللفظ مختلف المعنى (٥٥: ٣٩) {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} [و] مثله (٧٧: ٣٥) {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} الآية. ثم قال (٥) (٣٦: ٢٤) {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} فليس هذا ناقضًا للخبر الأول تعالى عن ذلك. وكان مجاز قوله {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} (٦) أي لا يُسأل عن


(١) في الأصل فلان.
(٢) البيت في الأزمنة للمرزوقي ٢: ٧٧ ومقصور ابن ولّاد مصر ١١١ واللسان (نعم) والكامل مصر ج ٢ ص ٥٦ ويروى فلم يعترف. وهو من كلمة يقولها في عبد الله بن الزبير أورد بعضها ابن قتيبة في طبقاته وابن عساكر في تاريخه. والنعامى الجنوب.
(٣) ديوانه ١: ١٣٣ وسيبويه ٢: ١٣٨.
(٤) هذا الحديث ثبت في الصحيحين كما قاله ابن كثير في تفسيره بهامش فتح البيان ١٥: ٦٣ وصاحب كنوز الحقائق.
(٥) التراخي في بيان المؤلف لا في مواقع الآيات كما قد سلف لنا التنبيه عليه.
(٦) والذي أجاب به الإمام أحمد في الردّ على الجهمية المطبوع بآخر جامع البيان بدهلي سنة ١٢٩٦ هـ ص ٣١ في باب ما ضلّت فيه الزنادقة من متشابه القرآن بعد أن قرّر دعواهم التناقض بين الآيتين {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} الخ وبين {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} قال أما تفسير هذا يوم الآية فهذا أول ما تبعث الخلائق على مقدار ستين سنة لا ينطقون ولا يؤذن لهم في الاعتذار فيعتذرون ثم =

<<  <  ج: ص:  >  >>