للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (٤٦٥) والأشبهُ أنهُ كان للمجوسِ كتابٌ لكن بدَّلوهُ فأصبحوا وقد أُسريَّ به (٤٦٦). فمرادُ المصنف أنهُ لا كتابَ لهم الآنَ وحكى القاضي عن القديم جوازُهُ، وَتَحِلُّ كتابِية، لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (٤٦٧)، لَكِنْ تُكْرَهُ حَرْبِيَّة، خَوْفَ الفتنَةِ بها في دِينهِ وكذا يُكرَهُ نكاحُ المسلِمَةِ المقيمَةِ في دارِ الحربِ نصَّ عليهِ في الأمِّ، وَكَذَا ذِميَّة عَلَى الصحِيْح، لئلا يكون في ذلك إيثارٌ للمشركَةِ على المسلمَةِ، نَعَمْ الكراهَةُ فيها أخَفُّ من الحربيةِ، والثاني: لا كراهةَ لأنَّ الاستفراش إهانة والكافرَةُ جديرة بهِ؛ قال الجويني: لكن الأولى أنْ لاَ يَفْعَلُهُ، وَالْكِتَابِيَّةُ يَهُودِيَّة أَوْ نَصْرَانِيَّة، للآية المتقدِّمةِ، لاَ مُتَمَسِّكة بِالزبورِ وَغَيرِهِ، كصُحُفِ شيت وإدريس وإبراهيم عليهم السلام، واختلف في سبب ذلك، فقيلَ: لأنها لَمْ تُنَزَّل عَلَيهِمْ بِنَظْمٍ يُدْرَسُ ويتلى وإِنمَا أوْحِيَ إليهِمْ مَعَانِيْهَا. وقيل: لأنها كانت مواعِظَ وحِكَمًا ولم تتضمنْ أحْكَامًا وشرائِعَ، فإن لَم تكُنِ الْكتَابِيةُ إِسرَائِيلِيةً؛ فالأظْهَرُ حِلُّهَا إِن عُلِمَ دُخُولُ قَوْمِهَا في ذَلِكَ الدِّيْنِ قَبْلَ نَسْخِهِ وَتَحْرِيْفِهِ، اكتفاء بتمسكهم بذلك الدينِ حينَ كان حقّا؛ ومنهُمْ من قطعَ بهذا كما يقرونَ بالجزيةِ قطعاٌ، والخلافُ مبني على أنَّ الإسرائيليَّاتِ يُنكَحنَ لفضيلتَي الدِّينِ والنسبِ جمعًا أو لفضيلة الذينِ وحدها، وَقِيلَ: يَكفِي قَبْلَ نَسْخِهِ،


(٤٦٥) البقرة / ٢٢١.
(٤٦٦) عن علي بنِ أبِي طالب - رضي الله عنه -؛ قالَ: (أنا أعلَمُ النَّاسِ بِالْمَجُوس، كَانَ لَهُم عِلْم يُعَلمُونَهُ؛ وَكِتَابٌ يَدْرُسُونَهُ، وَإِنَّ مَلِكَهُم سَكِرَ فَوَقَعَ عَلَى ابنَتِهِ أو أختِهَ، فَاطلَعَ عَلَيْهِ بعْضُ أهلِ مَملَكَتهِ، فَلَما صَحَا؛ جَاءُوا يُقِيمُونَ عَلَيْهِ الحدَّ؛ فَامتَنَعَ مِنْهُمْ، فَدَعَا أهلَ مَملَكَتِهِ، فَلَما أتَوْهُ؛ قالَ: تَعلَمُونَ دِينًا خَيْراً منْ دِينِ آدَمَ، وَقدْ كَانَ يُنْكِحُ بَنيهِ مِنْ بَنَاتِهِ، وَأنَا عَلَى دِينِ آدَمَ؛ مَا يرغِبُ بِكُم عَنْ دِينهِ، قَالَ: فَبَايَعُوهُ وَقاتَلُوا الذِينَ خَالَفُوهُم حَتى قتَلُوهُمْ، فَأصبحُوا وَقَد أسْرِيَ عَلَى كِتَابهِمْ، فَرُفِعَ مِنْ بَيْنِ أظهُرِهِمْ، وَذَهَبَ العِلْمُ الَّذِى في صُدُورِهِم، فَهُمْ أهلُ كِتَاب، وَقدْ أخَذَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وأبو بَكر وَعُمَرَ رَضي الله عَنْهُمَا مِنهُمُ الجِزيةَ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الجزية: باب المجوس أهل كتاب: الأثر (١٩١٦٣).
(٤٦٧) المائدة / ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>