للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

= مجالات الحياة الاجتماعية، وما يتعلق بعلاقات أهل الذمة الشخصية أي الفردية.

كما أن موضوع الآية {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} أنها كانت في أهل موادعة لا أهل ذمة، والموادعة معاهدة مع كيان -دولة- لا مع أفراد، وهم لم ينزلوا لحكم الإسلام في كل قضاياهم؛ بل كان لهم حكامهم وسلطانهم؛ ولهذا جاء في صحيفة المدينه: (هذا كتاب من محمد النبي (رسول الله) بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم. أنهم أمة واحدة من دون الناس). وفيها (وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم) وهكذا جعل لجميع اليهود. ينظر نص المعاهدة كما في السيرة النبوية لابن هشام: كتاب الموادعة لليهود: ج ٢ ص ١٤٧. والروض الأنف تفسير السيرة النبوية للسهيلي: كتاب الموادعة لليهود: ج ٢ ص ٣٤٦ - ٣٤٧.

وفي مثل هذه الحال لا يجب على أمير المسلمين، وخليفتهم وقاضيهم الحكم بين الكفار من غير أهل الذمة، بل يجوز الحكم إن أراد الحاكم المسلم حين طلبهم. وهذا بالنسبة لأهل الموادعة والعهد معهم. وهذا غير الواقع الأول

أما حكم أهل الذمة إذا ترافعوا لحاكم المسلمين وخليفتهم، فهل يجب عليه الحكم بينهم؟ هذا موضوع المسألة وواقع الحكم الشرعي فيها.

والجواب:

إن واقع الحكم بين المسلمين، وممارسة الحاكم سلطانه الذي أعطته الأُمة له؛ أن ليس له النظر في رفع الخصومات بين الناس ما لم ترفع إليه، أي ينظر حين يترافع المختصمون إليه بقضاياهم؛ هذا ما لم يكن الأمر المشكلة، والقضية الجارية في حق من حقوق الله وحدٍّ من حدوده، أو أنها قضية من شؤون السلطان، فإنه يمنع تضييع الحدود وحقوق رب العالمين، ويمنع التدخل في شؤونه بوصفه سلطاناً للمسلمين وحاكماً لدارهم.

أما أنه ليس له النظر في القضايا بين الناس ما لم ترفع إليه، فلحديث سرقة رداء صفوان بن أمية، وغيره؛ فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: [تَعَافَوُا الْحُدُدَ بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ] وهذه الحال لا يُنظر المتخاصم فيها أنه ذِمِّيٌّ أو مسلم؛ وإنما ينظر إليه فيها أنه فرد من أفراد الرعية.

ولا خلاف فيما نعلم، أن قضايا أهل الكتاب الخاصة بهم، وما يرتبط بأصول دينهم وعقائدهم، ومواريثهم وأنكحتهم، ترجع إلى أهل دينهم، لقوله تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة / ٢٥٦]، قال الزهريُّ: (قضَتِ السُّنَّةُ أَنْ يُرَدُّواْ في حقوقهم==

<<  <  ج: ص:  >  >>