للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنْ كانا مختلِفَي الْمِلَّةِ كيهوديٍّ ونصرانيٍّ فيجبُ الحكمُ على أصحِّ الطريقين لأنَّ كُلاًّ لا يرضَى بملَّةِ صاحبهِ، وقيل: القولان.

فَرْعٌ: لو ترافعَ معاهدانِ لم يجبِ الحكمُ قطعاً، وإنِ اختلفَتْ مِلَّتُهُما لأنهم لم


= ومواريثهم إلى أهل دينهم، إلا أن يأتوا راغبين في حدٍّ يُحكم بينهم فيه بكتاب الله) رواه الطبري في جامع البيان: الرقم (٩٣٧٥). أي كما قال ابنُ خُوَيْزِ مِنْدَادٍ (ولا يُرسلُ الإمامُ إليهم؛ إذا استعدى بعضهم على بعضٍ، ولا يحضر الخصم مجلسه إلا أن يكون فيما يتعلق بالمظالم التي ينتشر منها الفساد كالقتل ونهب المنازل وأشباه ذلك. فأما الديون والطلاق وسائر المعاملات فلا يحكم بينهم إلا بعد التراضى -أي في العهد- والاختيار له ألا يحكم ويردُّهم إلى حكامهم- أي أهل دينهم، لأنَّ هذه أمور شخصية فردية تتعلق بمعتقداتهم لا بالمجتمع- فإن حكمَ بينهم حكمَ بحكم الإسلام. وأما إجبارهم على حكم المسلمين فيما ينتشر من الفساد، فليس على الفساد عاهدناهم. وواجب قطع الفساد عنهم؛ منهم ومن غيرهم، لأن في ذلك حفظ أموالهم ودمائهم، ولعل في دينهم استباحة ذلك فينتشر منه الفساد بيننا؛ ولذلك منعناهم أن يبيعوا الخمر جهاراً وأن يُظهروا الزنا وغير ذلك من الفاذورات، لئلا يفسد بها سفهاء المسلمين. وأما الحكم فيما يختص به دينهم من الطلاق والزنا وغيره فليس يلزمهم أن يتدينوا بديننا، وفي الحكم بينهم بذلك إضرار بحكامهم وتغيير ملتهم، وليس كذلك الديون والمعاملات، لأن فيها وجهاً من المظالم وقطع الفساد والله أعلم). انتهى. ينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ج ٦ ص ١٨٥.
بناءً على ذلك فليس صحيحاً أن يترك أهل الذمة وشأنهم وحكامهم في دار الإسلام؛ بل يجب أن يكون شأنهم وممارسة أحكامهم وشعائرهم الدينية بإذن المسلمين؛ لأن هذا هو معنى ظهور كلمة (لاَ إِلَهَ إِلَّا الله مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ). أي أن تكون الأوامر والنواهي في الدار لأهل الإسلام بحيث لا يستطيع مَن فيها من الكفار أن يتظاهر بكفره إلا لكونه مأذوناً له بذلك من أهل الإسلام، هذا معنى دار الإسلام، ولا يضر ظهور الخصال الكفرية فيها، لأنها لم تظهر بقوة الكفار، ولا بصولتهم. وإلا أي العكس، فنكون الدار دار كفر لا محالة. ينظر: السيل الجرار المندفق على حدائق الأزهار للشوكانى: ج ٤ ص ٥٧٥.
ثم قلتُ: إن لهذا المبحث تفصيلاً وزيادة بيان في كتاب أصول الفقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>