فَصْلٌ: قَالَتْ رَشِيْدَةٌ: زَوِّجْنِي بِلاَ مَهْرٍ، فَزَوَّجَ وَنَفَى الْمَهْرَ أَوْ سَكَتَ فَهُوَ تَفْويضٌ صَحِيْحٌ، أيْ وسيأتِى حكمُهُ، واحترزَ بذلكَ عمَّا إذا قالَتْ: زوِّجني وسكتَتْ عنِ المهرِ؛ فإنه ليس بتفويضٍ صحيحٍ على الظاهرِ، فإنَّ النكاحَ يعقَدُ بالمهرِ غالباً فَيُحْمَلُ الأذْنُ عليهِ، ولو قالَتْ: زوِّجني بلا مَهْرٍ في الحالِ ولا عند الدخولِ ولا بعدَهُ؛ فزوَّجَها الوليُّ كذلكَ فالأصحُّ الصحَّةُ، وهل هو تفويضُ صحيحٌ أو فاسدٌ؟ وجهان؛ والأوَّلُ: هو ظاهرُ إطلاقِ المصنِّفِ، وبالثاني: قالَ أبو إسحاقٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ سَيِّدُ أَمَةٍ: زَوَّجْتُكَهَا بِلاَ مَهْرٍ، أيْ فإنهُ تفويضٌ صحيحٌ، وَأَلْحَقُواْ بِهِ، كما قالَ الرافعيُّ: ما إذا سكتَ عن ذِكر المهرِ.
وَلاَ يَصِحُّ تَفْوِيْضُ غَيرِ رَشِيْدَةٍ، إذ ليس لأحدٍ إسقاطُ مَهْرِهَا، نَعَمْ يستفيدُ الوليُّ من السفيهةِ بذلكَ الأذْنِ في النكاحِ.
وَإِذَا جَرَى تَفْوِيْضٌ صَحِيْحٌ؛ فَالأَظْهَرُ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ شَيْءٌ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، لأنه لو وَجَبَ بهِ لتنصف بالطلاقِ، والثانى: يجبُ بهِ؛ لأنه لو لم يجِبْ بهِ لما استقَرَّ بالموتِ، فَإِنْ وَطِئَ فَمَهْرُ مِثْلٍ، لأنَّ البُضْعَ لا يتمخَّضُ حقًّا للمرأةِ بل فيه حقٌّ اللهِ تعالى، ألا ترَى أنهُ لا تباحُ بالإباحاتِ فَتُصَانُ عن التَّصَوُّرِ بصُوَرِ الْمُبَاحَاتِ.