وَمَنْ زَنَا مَرَّةً تُمَّ صَلَحَ لَمْ يُعَدَّ مُحْصِنًا، أي حتى لا يحد قاذفه بعد ذلك، ولكن يعزر للإيذاء، والعِرْضُ إذا انخرم لم تَنْسَد ثلمته، واستشكله الإمام في المسلم الكامل، وقال: ما أراه يسلم من الخلاف، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وَحَدُّ الْقَذْفِ يُوْرَثُ وَيَسْقُطُ بِعَفْوٍ، لأنه حق توقف استيفاؤه على مطالبة الآدمي، فكان حقًا له كسائر حقوقه، وَالأَصَحُّ أَنَّهُ يَرِثُهُ كُلُّ الْوَرَثَةِ، كالمال والقصاص، والثاني: كلهم إلا الزوجين لإرتفاع النكاح بالموت وإنقطاع واسطة المتعيِّر، وَأَنَّهُ لَوْ عَفَى بَعْضُهُمْ فَلِلْبَاقِينَ كُلُّهُ، كحقِّ الشفعة، والثاني: يسقط جميعه كالقصاص، والثالث: يسقط نصيب العافي ويستوفي الباقي لأنه قابل للتقسيط بخلاف القصاص.
فَصْلٌ: لَهُ قَذْفُ زَوْجَةٍ عَلِمَ زِنَاهَا، أي كان رآها تزني، أَوْ ظَنَّهُ ظَنًّا مُؤَكَّدًا كَشِيَاعِ زِنَاهَا بِزَيْدٍ مَعَ قَرِيْنَةٍ بِأَنْ رَآهُمَا فِي خَلْوَةٍ، لأن الظن مع القرينة المذكورة التحق في هذه الحالة بالعلم، وكذا لو أقرت ووقع في قلبه صدقها أو سمعه ممن يثقُ به، وَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ وَعَلِمَ أنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ لَزِمَهُ نَفْيُهُ، لأن تركه يتضمن استلحاقه وهو حرام، وَإِنَّمَا يَعْلَمُ إِذَا لَمْ يَطَأْها أَوْ وَلَدَتْهُ لِدُوْنِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْوَطْءِ أَوْ فَوْقَ أَرْبَعِ سِنِيْنَ، فَلَوْ وَلَدَتْهُ لِمَا بَيْنَهُمَا، أي لما دون أربع سنين وفوق ستة أشهر، وَلَمْ يَسْتَبْرِئْ بِحَيْضَةٍ حَرُمَ النَّفْيُ، أي ولا عبرة بريبة يجدها في نفسه، أو شبهة تخيل إليه فسادًا، وقد صح من حديث أبي هريرة أنه -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- قال:[أَيَّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ احْتَجَبَ الله مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفَضَحَهُ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلَائِقِ](٨٣).
(٨٣) عن أبي هريرة؛ قال: لَمَّا نَزَلَتْ آيةُ اللِّعَانِ، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: [أَيَّمَا امْرَأَةٍ أَلْحَقَتْ بِقَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ؛ فَلَيْسَتْ مِنَ اللهِ فِي شَىْءٍ، وَلَنْ يُدْخِلَهَا جَنْتَهُ. وَأَيَّمَا رَجُلٍ أَنْكَرَ وَلَدَهُ، وَقَدْ عَرَفَهُ، احْتَجَبَ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفَضَحَهُ عَلَى رُؤُوسِ الأَشْهَادِ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الطلاق: باب التغليظ في الإنتفاء: الحديث (٢٢٦٣) بلفظ [أَدْخَلَتْ]. والنسائي في السنن: كتاب الطلاق: باب التغليظ في الإنتفاء من الولد: ج ٦ ص ١٧٩. وابن ماجه في السنن: كتاب الفرائض: الحديث (٢٧٤٣). والدارمي في السنن: كتاب النكاح: باب من جحد ولده: الحديث (٢٢٣٨).